تمهيد مرحلة منهجية فهم قصة النبي (مقال التفاعل)
رغم أنَّ مقال اليوم يختص بالتفاعل مع التعليقات والأسئلة، إلا أنه سيكون في جزء منه يتناول الغرض والفكرة من وراء اتخاذ قصة الرسول عليه الصلاة والسلام كموضوع له مفاهيم وقواعد رغم أنها قصة وسيرة.
ولكن سأبدأ ربما بالشيء الوحيد الذي تكرر وجوده في التعليقات على مقالنا الأخير. هذا الشيء هو السؤال المنطقي والطبيعي من بعض المتابعين الكِرام عمَّن أكون، وما هي أهدافي أو خلفيتي العلمية.
طبعاً لم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها السؤال عن شخصي، فبطبيعة الحال جاء السؤال تقريباً منذ اليوم الأول لنشر المقالات قبل أربع شهور مضت هي عمر رحلتي معكم في هذه الصفحة. كنت دائماً أطالب السائلين بالصبر والتركيز على الفكرة حيناً، وفي بعض الأحيان أعدهم بأنني سأظهر صوت وصورة قريباً و ليس مجرد الكشف عن أسمي ومن أكون. و هنا أحب أن أثير نقطتين:
النقطة الأولى:
إنَّ هدفي من الإصرار على إخفاء شخصيتي طوال الأشهر الماضية هو أنني على قناعة تامة، وأظن أن كثيرين يتفقون معي، بأنَّ أحد أهم المشاكل التي يعاني منها العقل المسلم والتي تعيق قدرته على الإبداع هي تركيزه على الأشخاص والخلفيات و ليس الأفكار. هذه الآفة أضرت كثيراً بأجيال المسلمين لأنَّ أحد أهم المعوقات التي تواجه الإنسانية هي ميل الجموع للارتياح وتقبل المعروف والمشهور والموروث، وخوفهم وتنكرهم وتوجسهم الكبير الدائم من كل جديد. وهذا بالطبع ليس خاص بالمسلمين ولا حتى بالجيل الحالي وإنما بكل أجيال الإنسانية. وهذا لم آتي به من عندي، وإنما تجدونه واضحاً وضوح الشمس في القرآن. فما مازال الله جل في علاه يذكرنا وينبهنا مع كل قصة نبي أن الناس لا يقبلون إلا المشهور والمعروف أو الموروث، وهذا الموروث سيكون معروف بطبيعة الحال. يمكن رؤية هذا بوضوح شديد في الآيات التالية:
قوم نوح
(فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ)
قوم هود عليه السلام
(أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
قوم صالح عليه السلام
) مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(
قوم شعيب عليه السلام
(قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ)
قوم موسى عليه السلام
(فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ)
قوم نبينا محمد عليه السلام
(وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)
يذكرنا مراراً وتكراراً الله بأنَّ الأمم ترفض التغيير والإصلاح خاصةً إذا جاء على لسان إنسان بسيط غير مشهور وغير معروف وليس صاحب ألقاب أو حائز على نياشين. فلسان حالهم يقول: "هذا إنسان عادي ونحن مثله عاديون فكيف سيكون أفضل منا ولماذا نسمع له وهو لا يملك الشهرة والسمعة أو السلطة". في حين أنه كلما تعلق الأمر بالحق، فلا يهم على لسان من جاء لأن ميزانه العقل والقلب وليس الشهرة والانتشار. عندما نسمع قولةً ما ونريد أن نعرف هل هي حق أم لا، فإننا نزن كلماتها بعقولنا وليس بوسم أو رسم قائلها.
عندما يأتي عبد فقير لله مثلي ويقول قول يختلف عن ما وجدنا عليه آبائنا وليس مما اعتدنا على سماعه، فلا اعتقد أنه من المنطقي أن يقال له من أنت حتى نسمع لكلامك. فما تعلمته من القرآن كما ترون في الآيات في الأعلى، أنَّ ما أهلك الأمم السابقة هو رفضهم أن يفكروا أو يعقلوا ما جاء به الأنبياء والمصلحون لمجرد أنهم أناس عاديون ليس لهم شهرة ولا جاه ولا أوسمة ولا ألقاب.
لم يكن أي من الأنبياء والرسل الذين وردت قصتهم في الآيات في الأعلى بما فيهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، لم يكن أي منهم ذو جاه وسمعة أو ألقاب، بل كانوا أناس عاديين من عامة الشعب وهو الأمر الذي استنكره قومهم وتسبب في أنهم رفضوا الاستماع لهم.
خلاصة الأمر الأول هو أنني استهدفت وبشكل عملي هذه الآفة وعملت على أن نتدرب جميعاً على أنَّ ننظر للفكرة وليس لقائلها. والحمد لله وبشكل مشجع ومبهر، فقد كانت النتائج رائعة. فعلى مدى أربع أشهر ويزيد وأنا مجهول لا يرى المتابعين إلا أفكاري، ومع هذا حصل تفاعل كبير وتجاوب رائع مع الأفكار ما يدل على حصول المقصود وثبت للجميع أن وعي الشعوب المسلمة قد ارتقى وتطور ولم يعودوا يركنون للتلقين ولا يقبلون التقليد الأعمى ولهذا حتى عندما يُلقى عليهم الجديد من الأفكار يدخلونها على ميزان عقولهم ولا يهتمون بقائلها.
عشرات آلاف المتابعين على صفحتنا هذه يقرأون بشغف و قبول لما يُعرض عليهم من أفكار ليست من المعهود وليست مما اعتادوا على سماعه، وعلى مدى أكثر من أربع أشهر، ومع هذا لم يتأثر شغفهم ولا فضولهم في سماع المزيد حتى وهم لا يعرفون إن كان مخاطبهم إنسي أو جنِّي.
بصراحة, كم أنا فخور بكم متابعيني الكِرام. لكم يخجلني تواضعكم للحق واحترامكم لعقولكم. كم أنتم رائعون!
بصراحة, كم أنا فخور بكم متابعيني الكِرام. لكم يخجلني تواضعكم للحق واحترامكم لعقولكم. كم أنتم رائعون!
النقطة الثانية:
هي أنه قد آن أخيراً أوان أن أفصح عن نفسي وعن شخصيتي من خلال افتتاح قناة يوتيوب تتبع هذه الصفحة أتواصل فيها معكم صوت و صورة. و بالتالي ستعرفون كل شيء عني بداية من اسمي، مروراً بتعليمي، وليس انتهاءً بشكلي وهيئتي.
هدفي من قناة اليوتيوب هو أن تتوفر الأفكار بشكل مسموع ومرئي ما يجعل عملية وصول الأفكار أسهل وأسرع والمتابعة أيسر. فمن ليس لديه عيون جيدة للقراءة أو الوقت الكافي لها، فيمكنه أن يجد بديل الاستماع.
وصول الأفكار سيكون أسرع و أسهل، فالأوضاع و الظروف التي تسمح بالاستماع هي أكثر بكثير من الأوضاع والظروف التي نحتاجها لنتمكن من القراءة.
القناة في المراحل الأخيرة من الإعداد وسيتم نشر أول فيديو للتعريف بالبرنامج وبالقناة في غضون أسبوع إلى عشرة أيام إن شاء الله إذا سارت كل الأمور حسب ما هو مخطط له. بعدها بأسبوعين، وربما يصادف ذلك بداية شهر رمضان، سوف أبدأ بإذن الله أولى حلقات برنامجي الجديد والذي يحمل نفس عنوان صفحتنا هذه.
فلم يعد الانتظار طويل والحمد لله أن أهداف إخفاء شخصيتي قد تحققت ولم يبقَ سوى أن أتواصل معكم بشكل مباشر متابعي الأكارم.
الأمر الأخير، هو رغبتي في أن أتوسع قليلاً في توضيح هدفي من البدء في سلسلة جديدة هي سلسلة مفاهيم لمنهجية قراءة قصة الرسول عليه الصلاة والسلام. فلأن المقال السابق كان المقال المختصر، فإنني لم أتوسع في شرح الفكرة بشكل جيد. و لهذا أحببت أن أوضحها هنا بشكل أوسع قليلاً.
تناولي لسلسلة مفاهيم لمنهجية قراءة قصة الرسول أهدف به استكمال مرحلة من مراحل فهم الدين بشكل عام. ففهم الدين بشكل صحيح يجب أن يكون بعيد عن آفة الأمم والتي هي التقليد والتكرار والاجترار، وهي المصطلحات التي يتم أخفاء قبحها باستعمال مساحيق تجميل على رأسها أن نقوم بتسمية هذه المصطلحات القبيحة بـ "الاتباع".
تجديد فهم الدين يحتاج منا لوضع منهجية جديدة لفهم القرآن وهو ما اقترحنا له سبع قواعد في سلسلتنا الأولى لفهم وتدبر القرآن. وتجديد فهم القرآن يحتاج بكل وضوح أن نفهم معه حقيقة الروايات التي مثلت لقرون طويلة عمود تدبر وتفسير القرآن، و التي تسببت في تجمد القرآن وتجميد فهمه بمنع أي جديد أو تجديد يخرج عن ما جاء في الروايات.
وقد قطعنا مشوار منهجية التعامل مع الروايات بعض مقالات شرح قواعدها الخمس. ولأن أحد أهم أدوات فهم وتدبر القرآن بشكل صحيح هو أن نعرف أن أكبر قصة في القرآن هي قصة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فكان لابد لنا من أن نخصص سلسلة كاملة لوضع مفاهيم ممنهجة تساعدنا على فهم قصة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم. وهذا ما نحن بصدد القيام به إن شاء الله. فقد مهدنا لهذه المفاهيم بتقديم المفاهيم السبع في مقالنا السابق والتي سنخصص لكل منها مقال منفصل لتفصيل كل مفهوم من هذه المفاهيم.
الخلاصة هي أننا نسير بطريقة ممنهجة لكي نبني الحقائق على حقائق، ونضع خطة مدروسة لتجديد فهمنا للدين لأنه أكبر مصادر #السعادة.
ولكي لا نتوه، فإنَّ وجهتنا هي للوصول لنقطة نعيش فيها في سعادة دائمة مهما تغيرات الظروف والأحوال، فهي مشروعنا ومشوارنا.. مسالكها طويلة وطرقها وعرة، لكنها غالية وتستحق ... فتابعونا
No comments:
Post a Comment