زواج المسلمين بغير المسلمين (المقال المفصَّل)
اليوم بعون الله نقدِّم المقال المفصَّل عن مثال جديد من الأمثلة التي توضح طريقة استخدام وتطبيق القواعد السبع لمنهجية تدبُّر وفهم القرآن الكريم. موضوعنا اليوم هو بخصوص قوله تعالى:
(وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)
حسب الشائع عند الناس باستنادهم إلى اجترار الفهم القديم، فإنَّ الآية تُعتبر تحريم لزواج المسلم أو المسلمة من غير المسلمين. بالطبع هذا هو الرأي العام والرسمي في البلدان الإسلامية.
فإذا سألتهم عن مسوغات تدبرهم للآية بهذا الشكل، فسيحيلونك للتفاسير القديمة بمعنى أنَّ مسلمي اليوم لم يتدبروها بأنفسهم كعادتهم مع القرآن حيث نظرية التفسير الوحيدة المتاحة لديهم هي الذهاب لأقوال الأولين وآرائهم وتبني أحدها.
ولو قمنا هنا بنفس العمل واجتررنا فهم الأولين، فسيتبيَّن لنا أنَّ الأولين اعتمدوا في تفسيرهم بشكل مكثف على الروايات، وهي المنهجية الأكبر والأهم وربما من الناحية العملية، هي أساس التفسير عند أغلب فقهاء ومفسري الأوَّلين. بالطبع سنجد نفس التفسير المنتشر بين المسلمين اليوم لأنَّ مسلمي اليوم يقلدون فقط ولا ينتجون أي فهم جديد، لكن بمجرد القيام بالعمل الرشيد لفهم وتدبُّر الآية بتطبيق قواعدنا السبع لمنهجية فهم وتدبُّر القرآن، فسنخرج بفهم جديد بكل تأكيد لأنَّ فهم القرآن يتطور مع الزمن وقد مر من الوقت أكثر من 1000 سنة على ذلك الفهم القديم ما يعني أننا بالفعل تأخرنا كثيراً في إنتاج هذا الفهم الجديد.
دعونا نطبق بعض من قواعدنا السبع لمنهجية تدبر القرآن:
أ- قاعدة فهم القرآن من القرآن:
من خلال النظر في آيات الزواج سنجد قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا(23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)
بالتدقيق على الآية سنجد أنَّها آية مُحكمة مفصلة تعطي تفاصيل من يجوز الزواج بهم سواء للرجال أو النساء. فعندما قال الله جل في علاه (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) هذه حملت حكمين وليس حكماً واحداً، فهي تخبر الرجال أنه محرمٌ عليهم الزواج بأمهاتهم، وتخبر النساء بأنه محرمٌ عليهم الزواج بأبنائهن. ونفس الأمر ينطبق على باقي الآية، فهي موجة للرجال والنساء على حدٍ سواء ولكن بصيغة بلاغية مختصرة.
ومن الواضح جداً أنَّ الآية عددت بشكل صريح ومفصَّل النساء المحرم الزواج بهن، ولا يوجد أي فئة محرمة لأسباب عقائدية ما يوضح فكرة أنَّ المقصود من قوله تعالى (وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ)، ما يبيِّن أنَّ المقصود في الآية ليس توجيه أمر تحريم عام للزواج بغير المسلمين، وكأنه خطاب موجه للمسلمين في كل مكان وزمان.
الأخ والأخت والأم والابن والرضاعة وكل الأصناف المذكورة في الآية محرمة لأسباب بيولوجية ولا نرى أي أثر لتحريم الزواج لشيء له علاقة بأسباب عقائدية؛ وبالتالي بجمع آية التحريم الواضحة المفصَّلة، مع الآية التي يستخدمونها لتحريم الزواج بغير المسلمين، سنجد أنَّ القرآن يفسر بعضه بعضاً وهي أحد أهم قواعد منهجية تدبر القرآن.
ب) قاعدة احترام السياق العمودي (السياق القريب):
بوضع السياق كامل دون اقتطاع كالآتي (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴿219﴾ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۗ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿220﴾ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿221﴾ )
من الواضح من السياق أنَّ أصحاب النبي قد وجهوا له عدَّة أسئلة، وأنه لا يعلم الإجابة، وأنَّ الله أوحى له الإجابة كما هو واضح من خلال تكرار لفظة (يسألونك) أربع مرات من الآية 215 إلى الآية 222 في السياق الذي ورد في سورة البقرة.
هذا السياق يعطي إشارة قوية بأنَّ الخطاب هنا خاص وليس عام، مما يجعلنا نستبعد فكرة أن تكون الآية التي ندرسها هي آية تحريم فضلاً عن أن تكون عامة على كل زمان ومكان. باحترام السياق وباستحضار فكرة أنَّ صحاب الكلام هو رب العزة جل في علاه، فلا يمكن إلا أن نربط الآيات بعضها ببعض، ونكون على ثقة بأنَّ الله ليس عاجزاً للدرجة التي تجعله يقول كلام في جمل متقطعة غير قابلة لأن نخرج منها بجمل مفيدة. اذهبوا واقرأوا السياق كاملاً وسترون بكل وضوح أنَّ السياق يتحدث عن حالة خاصة وعن أشياء خاصة وأسئلة محددة من أشخاص محددين.
فلماذا التعميم إذاً؟ ونحن نعرف لماذا عمَّم فقهاء السلف ومن يقلدهم دون فحص أو تمحيص. لقد عمَّموا لأنَّهم يعتمدون بشكل شبه حصري على الروايات، والتي تمثل منهجيتهم الوحيدة للتفسير الخالي غالباً من التدبُّر.
ج) قاعدة استبعاد الصورة الذهنية المسبقة المستقى من تفاسير الأولين
لو ركزنا بشكل خاص على قوله تعالى ضمن السياق (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿221﴾).
لو ركزنا بشكل خاص على قوله تعالى ضمن السياق (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿221﴾).
لو ركزنا قليلاً، ولو توقفنا عن معاملة الجمل القرآنية على أنها جزر معزولة يعجز مؤلفها عن تقديم معنى مفيد، فحينها سنرى صورة أفضل وأوضح ومعنى مباشر وصريح، لكنَّ سيطرة الفهم القديم على أذهاننا تحجب عن عقولنا رؤية المشهد بشكلٍ مختلفٍ فيه احترام لله عز وجل ولكلماته.
فلتجرِّبوا! انظروا للآية 220 و 221 هنا واستحضروا معها آيات مشابهة في مواضع أخرى من القرآن مثل قوله تعالى في سورة النساء (وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ).
من سياق آيات سورة البقرة محل بحثنا، وسياق سورة النساء الذي أوردناه هنا يمكن ملاحظة أنَّ الآيتان تتحدثان عن يتامى وزواج ما يعطي قرينة منطقية على أنَّ الآيتان 220 و221 في سورة البقرة مرتبطان ضمن سياق مرتبط ليوصل معنى مترابط. ولذلك، فإنَّ استخراج حكم عام من الآية 221 بأنَّ المسلمين محرمٌ عليهم الزواج بغير المسلمين في كل زمان ومكان، هو تفتيت للخطاب القرآني وجعله خطاب عشوائي غير مترابط يعجز قائله (الله جل في علاه) عن قول كلام مفيد في صياغة متماسكة ورصينة - تعالى الله عن ظنهم هذا علواً كبيراً - والسبب وراء هذا التفتيت للخطاب القرآني هو لأنَّ مفسري السلف لم تكن لهم منهجية بالشكل الصارم الدقيق، وإنما كانوا يعتمدون بشكل شِبه حصري على سمِعنا وحدَّثنا وأخبرنا وروي عن فلان أنَّ فلان قال سمعت رسول الله قال كيت وكيت.
ولأنَّ الروايات كلها ظنيَّة، وتجارة وضع الحديث وتأليف الروايات غير الحقيقية كانت رائجة في زمن فقهاء السلف، فقد تسبب ذلك في خروج تفاسير تجعل كلام الله متقطع والجمل القرآنية كأنَّها جزر معزولة يصعب أن تستخرج منها معنى مفيد بدون أن تستعين بسمِعنا وحدَّثنا وروي وقيل.
د) قاعدة احترام السياق الأفقي (السياق البعيد)
بالنظر لباقي آيات القرآن على طول الكتاب وعرضه سنجد أنَّ هناك آيات تتناقض مع فكرة أن تكون الآية التي ندرسها هي تحريم عام على المسلمين للزواج من غير المسلمين، فعلى سبيل المثال لو أخذنا قوله تعالى في موضع بعيد في سورة المائدة (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
بالنظر لهذه الآية، سيكون من الصعب التوفيق بين الآيتين لأنَّ آية سورة المائدة فيها تقرير صريح بجواز الزواج بنساء أهل الكتاب والذين بكل وضوح عقيدتهم هي عقيدة شركية بالنسبة للمسلمين، أي أنهم مشمولون بوصف الشرك لو أننا اعتبرنا الآية التي نحن بصدد دراستها هي عامة وليست خاصة؛ وبالتالي هذه علامة أخرى قوية على خصوصية الآية التي ندرسها على مشركين معينين ولا تعم على كل زمان ومكان.
لا يستطيع أحد أن ينفي وجود صفة الإشراك بالله في عقائد أهل الكتاب، مما يعني أنَّ من يريد أن يعمم الآية 221 من سورة البقرة، فسيجعل القرآن يناقض بعضه بعض، خاصةً أنَّ الآية 221 من سورة البقرة وضعت تفاصيل ومسوغات تحريم تنطبق على مشركي أهل الكتاب، فالعبد المؤمن لا يزال خير من العبد المشرك حتى لو كان هذا المشرك هو من أهل الكتاب، والأمة المؤمنة تظل خير من الأمة المشركة حتى لو كانت من أهل الكتاب؛ وبالتالي سيكون من الصعب جعل الآية 221 من سورة البقرة تعمم تحريم زواج المسلمين بغير المسلمين في كل زمان ومكان.
الخلاصة هي أنَّ قوله تعالى (وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) هو خطاب موجَّه لأصحاب النبي لإبلاغهم أنه لا يجوز لهم الزواج من فئة معينة من المشركين في ذلك الزمان والمكان الذي عاش فيه النبي وأصحابه، وأنها ليست آية عامة تحرم زواج المسلمين بغير المسلمين في كل زمان ومكان.
الأمر الأخير الذي أحب الإشارة إليه هنا أننا اخترنا الآية 221 من سورة البقرة التي يستخدمها أغلب المسلمين كدليل على تحريم زواج المسلمين بغير المسلمين، هذا الاختيار ليس لأننا نرغب في الحديث عن الأمور المثيرة ونفتح مواضيع لنستفز بها أحد، بل اختياري لهذه الآية كمثال لتوضيح قواعد منهجية تدبر القرآن السبع، اختياري هذا سببه هو أنني أبحث عن الأمثلة التي تكون واضحة جداً ومشهورة جداً عند عامة المسلمين، وأنَّ الغالبية العظمى منهم يفهمها كما جاء في تفاسير التراث، ولأنَّ إثبات أنَّ الفهم التراثي القديم غير صحيح، سيكون هذا أمر مشجع على أن نتيقن أنَّ تجديد فهمنا للقرآن هو العمل الرشيد الذي لم نقم به بعد، ونقتنع أنه آن الأوان لنعرف أنَّ فِكر وفهم وتفاسير الأولين، ربما كانت عظيمة في زمانهم، لكنها لا تصلح لزماننا لا ينفع أن نجترها للتغطية على كسلنا وعدم رغبتنا في الجد والعمل والاجتهاد كما اجتهد فقهاء السلف عليهم رحمة الله.
بهذا ننتهي من المقال المفصَّل لموضوعنا الأخير في تقديم أمثلة على طريقة استخدام قواعد منهجية تدبر القرآن الكريم السبع.
في الغد إن شاء الله ينتظرنا عمل شاق ومشوار صعب في رحاب وضع منهجية للتعامل مع الروايات، وما وصلنا من فقه فقهاء السلف.
سنتابع مشوارنا نحو #السعادة بإذن الله ولن نجد رفيقاً يوصل لأعلى درجات السعادة أفضل من كلام الله جل في علاه.. فتابعونا.
No comments:
Post a Comment