التفاعل مع تعليقات مقال طريقة وصول الروايات إلينا

التفاعل مع تعليقات مقال طريقة وصول الروايات إلينا

بمتابعة التعليقات، وجدت أنَّ هناك سوء فهم وتسرع من بعض المتابعين. ولذلك، من الواضح أننا بحاجة لمقال إضافي للتفاعل مع التعليقات سواء التي تحوي استفهامات بريئة أو تلك التي كلها شتم وسب وتكفير.

أول شيء أريد التنبيه له هو حقيقة مهمة واضحة وضوح الشمس لكن تعمى عنها العيون التي لا تقتني بصراً، وأنا هنا أخاطب العقلاء والمبصرون. هذه الحقيقة هي أنني ذكرت في مقدمة موضوع طريقة وصول الروايات إلينا وفي خاتمته، ونَّبهت وذكرت وشددت على أننا في مرحلة جمع المعلومات وأنَّ منهجية التعامل مع الروايات هي ما سنقوم به بعد مرحلة جمع المعلومات. أي أننا لم نصل أصلاً للقول بترك أو الأخذ بالروايات. لم نقل أبداً اتركوها أو خذوها، وليس ذلك فحسب، بل نبهنا أننا لن نصل لمرحلة تقرير الأخذ أو الترك أو المزج بين الأخذ والترك، لن نصل بهذه المرحلة إلا ربما بعد عدة أسابيع.
لكن تخيلوا ما حدث! قفز اتباع ما وجدوا عليه آبائهم للسب والشتم والتكفير وقالوا منكر للسنة ويحارب الدين! بالطبع أنا لم أنكر "السُّنة" ولا أحارب الدين طبعاً، لكن هؤلاء يفكرون بالعاطفة لهذا تحكمت فيهم العصبية والغضب لسماع شيء مختلف عن ما اعتادوا أن يسمعوه لدرجة أنهم قولوني ما لم أقله.
عموماً كل من قال أنني أنكر السُّنة وأحارب الدين فقد كذب وجاء بفرية عليه أن يثبتها لله يوم الحساب وليس لي أو لكم.
عموماً تعليقاتي على ما جاء في تعليقات المقال المختصر أو المقال المفصَّل سأضعها هنا في نقاط:

  1. أنا لا أمسح التعليقات التي تحوي سب وشتم وتكفير وقلة تربية، ولا أتفاعل معها لعدة أسباب: 
أولها أنني أحب أن أرد ولو شيء بسيط من فضل أبي وأمي عليّ بأن أُظْهِر حسن تربيتهما لي مع كل موقف تُختبر فيه تربيتي.
 ثانيهما هو أنني أريد أن أقدم للأغلبية المتفقة معي في التوجه رسالة مفادها هو أنَّ الأقلية المعترضة يعترض أغلبهم تعصباً وعصبية للموروث وليس غضباً لله والدين. لأنه لو كان غضبهم لله ولدين الله لكانوا التزموا بأخلاق الدين. لكن هم غاضبون لأنهم سمعوا خلاف ما وجدوا عليه آبائهم فهم لهم متعصبون؛ وبالتالي من الطبيعي ألا نجد للدين الحق أثر في أفعالهم وتصرفاتهم.

ب) نحن استفدنا من وضعنا لقواعد منهجية لتدبر القرآن ولذلك يمكن أن نطبقها عندما يأتينا من يستخدم آيات القرآن كدليل على شيء لا علاقة له بالآية أو لا تعنيه. فقد قدَّم بعض المعترضين عدة آيات للتدليل على أنَّ الآخذ بالروايات هو أمر إلهي وارد في القرآن، ومع أننا لم نقل اتركوا الروايات ولا قلنا خذوها كلها، إلا أنه يحق لنا أن نرد على من يستخدم القرآن لإثبات شيء بطريقة غير صحيحة.

كل الآيات التي أوردها بعض المعلقين تم فهمها خارج سياقها القرآني، ولأنَّ المجال لا يسمح هنا لتوضيحها جميعاً، فسنكتفي بأشهرها وأكثرها استخداماً من الأخوة المعترضين. فكثيراً ما يتم إخراج الآية التالية من سياقها وتفسيرها بشكل غير صحيح بالمطلق. فقد قال الله تعالى في سورة الحشر (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) وهذه ليست حتى آية كاملة، وإنما جزء من آية تُكتب في أقل من سطرين، وهذا يبيِّن أنَّ هناك عملية اقتطاع واضحة قد حدثت هنا. فهم يقتطعون هذا الجزء من الآية ليقولوا أنَّ الله أمرنا بأن نفعل كل ما أمرنا الرسول بفعله، وألا نفعل كل ما أمرنا الرسول بعدم فعله، وهذا غير موجود في الآية بكل تأكيد. أي أنَّ الاستشهاد على طاعة الرسول بهذه الآية غير صحيح، وركِّزوا - أقول الاستشهاد بالآية غير صحيح، ولا أقول طاعة الرسول  أمر غير صحيح- وجب التنبيه لكي لا يتم التصيُّد هنا.

عموماً .. لو أخذنا الآية كاملة  (مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، سترون أنَّ الآية تتكلم عن غنائم الحرب وطريقة توزيعها. فقد قال الله جل في علاه للمؤمنين في حينه أن يأخذوا ما آتاهم الرسول من الغنائم وأن يتركوا منها ما أمرهم بتركه. وهذا ليس ظاهر الآية فقط، بل هذا ما سنفهمه من سياق الآية نفسها، والذي يقدم دليلاً واضحاً جداً على أنَّ معنى الأخذ والترك مقصود به الغنائم، وليس أي شيء آخر. فسياق القصة ورد في القرآن في سورة الحشر كالتالي
 (وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۖ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5) وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
سياق واضح وضوح الشمس ولا يحتاج حتى لكثير من الفلسفة. ومن جهة أخرى، فهذا ليس ذكاء مني أو فهم جديد خرجت به، بل هو موجود في كتب التفاسير. ورغم أنني لم أصِل بَعد لطريقة التعامل مع الروايات بمنهجية منضبطة، إلا أنَّ الروايات على أقل تقدير هي حُجَّة على من يتمسك بالآخذ بها ويعتبرها شارحة للقرآن. فالأخوة المعترضين يأخذون بالروايات كدليل وحجة، ولذلك، يمكننا أن نقدمها لهم كونها ضمن الأدلة المعتمدة لديهم.
على العموم ما قلته أعلاه عن معنى سياق الآية ليس اختراع من عندي، وإنما هو ما ورد في كتب التفسير مثل تفسير الأمام الطبري الذي ذكر المعنى الذي ذكرته أنا العبد لله هنا بأنَّ الله يقول خذوا من الغنائم ما يعطيكم الرسول واتركوا من الغنائم ما نهاكم الرسول عن أخذه.
وكخلاصة للنقطة (ب)، فإنَّ الآيات التي يقدمها البعض على أنها تأمر بطاعة الرسول غالباً ما يتم أخراجها عن سياقها للتدليل على شيء لا يتماشى مع السياق.

ج)  كل الآيات التي تأمر بطاعة الرسول هي تأمر بطاعة الرسول ولا تأمر بالأخذ بالروايات. هذا خلط غريب لا أعرف كيف مر على عقول البعض! هناك فرق شااااسع بين أن يقول الله أطيعوا الرسول، وبين أن يقول خذوا بالروايات التي سيجمعها البخاري ومسلم وابن ماجة والنسائي وغيرهم! لا يوجد أحد قديماً أو حديثاً يقول بأن نأخذ بكل الروايات الواردة لأنها تعج بالضعيف والموضوع والغريب وما لا يتفق متنه مع القرآن أو العقل. لا أعرف كيف يمكن لعقل إنسان أن يستسيغ فكرة أنَّ الله يأمرنا بان نأخذ بالروايات في الوقت الذي خرجت علينا فيه عشرات آلاف الروايات أنقسم حولها المسلمون بين مُصحِح ومُضعِف. أصلاً المسلمين انقسموا بين فِرَق ومذاهب وجماعات يأخذ كل منهم بأحاديث لا يأخذ بها الآخر، وهذا هو حالهم ليس اليوم فقط، بل منذ عصر تدوين الأحاديث نفسه في القرنين الثاني والثالث الهجريين. وبعيداً عن التكفيريين المتطرفين في الطرفين، فإنَّ السُّنة والشيعة أخوة مسلمون، ولكن في الحقيقة كل منهم يأخذ بروايات تختلف بشكل شبه جذري عن الروايات التي يأخذ بها الطرف الآخر. أصحاب المذاهب والجماعات المختلفة تحت كل فريق، لهم رواياتهم التي يصححونها ويضعفها غيرهم، وروايات أخرى يُضعِفونها هي صحيحة عند غيرهم. هل سنتحول لسلفيين ونقول نحن الفرقة الناجية ونحصر الإسلام في جماعة متشددة ضيقة ومن عداهم في النار؟ 
مع احترامي لكل معتقد، إلا أنني ضد التيار السلفي التكفيري الذي يفرق المسلمين ويسمون أنفسهم جماعة السلفية. هم بحمد الله ومنّه أقلية وأغلب المسلمين لا يقبلون تشددهم ولا تنطعهم. أعرف أنَّ أي سلفي يقرأ الآن يتصور أنَّ أهل الحق دوماً قلة وقلتهم تعني أنهم أهل حق، لكن نسي هذا السلفي أنه حتى الدواعش قلَّة ومن ضمن الأشياء التي تجعلهم أنهم يظنون أنهم على حق هي أنهم قلة، أي أنَّ فكرة القلة التي على الحق يستطيع أن يستخدمها السلفي والداعشي وغيرهم من الذين اتخذوا سبيل التشدد والتفريق بين المسلمين. غير أنها لا تعني أنهم على حق.

خلاصة النقطة الثالثة هي أنَّ الآيات التي تأمر بطاعة الرسول لا علاقة لها باتباع الروايات لا من قريب ولا من بعيد؛ لأنَّ الروايات أصلاً افترق عليها المسلمين فِرَق وجماعات ومذاهب؛ لأنها كلها ظنية يمكن لمن شاء أن يُضعِّف ما شاء ويصحح ما شاء والله لا يأمرنا بالظن والدين لا يؤخذ بالظن، والله أصلاً لا يحاسبنا بالظن سبحانه وتعالى عن هذا علواً كبيراً.

د) النقطة الأكثر تكراراً والتي عادة ما تقفز إلى ذهن أغلب المسلمين عند الحديث عن الروايات، هي تصورهم أنَّ كل العبادات التي يؤدونها من صلاة وصوم وزكاة وحج وغيرها لا تقوم إلا بالروايات. لا ألومهم، فيوماً ما قبل أن أبحث وأتعلم، كنت أردد نفس الفكرة، لكن حقيقة الأمر تختلف بالكلية عن هذا. 
ولتوضيح الأمر سنأخذ أهم شيء وهو الصلاة كمثال، فالكل يعرف أنَّ تفاصيل الصلاة التي نصليها بكل ما فيها من تفاصيل لم تُذكَر في القرآن، وبالفعل لم تُذكر في القرآن. لكن ما لم ينتبه له الكثيرون هو حقيقة أننا نؤدي الصلاة بكل ما فيها من تفاصيل دون أن نقرأ رواية واحدة، بالمطلق. عن نفسي، بدأت الصلاة وأنا طفل وملايين المسلمين الذين يصلون بدأوا الصلاة وهم أطفال. فهل قام أحدنا بقراءة ولو رواية واحدة من أجل أن يتعلم الصلاة أم تعلمها من أسرته؟ 
أصلاً وأنا طفل، وملايين أطفال المسلمين مثلي، لو قرأت رواية فلن أفهمها فضلاً عن قدرتي على قراءتها. كم هو عدد الأطفال الخارقين الذين يستطيعون قراءة كتب الروايات وفهم طريقة الصلاة منها؟ أين عقولنا يا سادة؟

ما حصل ويحصل وسيحصل هو أنَّ النبي عليه السلام صلى أمام أصحابه لسنوات عديدة فتعلموها منه؛ وبالتالي الجيل الأول تعلم الصلاة بالمشاهدة وبالتطبيق العملي من الرسول. الجيل الثاني من أبناء أصحاب الرسول تعلموا الصلاة وهم أطفال من آبائهم وهم أصحاب النبي. طبعاً لم يقرأوا روايات لأنها أصلاً لم تكن موجودة، ولو كانت موجودة فهم لا يعرفون القراءة والكتابة بعد. الجيل الثالث تعلم من الجيل الثاني بنفس الطريقة وهم أطفال. فبكل تأكيد كانت الأجيال الأولى حريصة على تعليم أبنائهم الصلاة وهم أطفال، والأطفال يتعلمون الأشياء بالتلقِّي والتلقين، وليس البحث والقراءة.
 تخيلوا ماذا حدث بعدها؟ ما حدث بعدها خالي من أي مفاجئات، وهو أنَّ كل جيل بعدهم علَّم أطفاله الصلاة بالتلقين وبالمشاهدة، كما تعلموها هم بالتلقين والمشاهدة حتى وصلنا لوقتنا هذا، فتعلمت أنا وأنت وكل من يصلي من المسلمين الصلاة بالتلقين والمشاهدة، ولم يقم أحد على الإطلاق بتعلمها من الروايات.
أصلاً كلما ابتعد الزمن عن زمن النبوة، تغيَّرت اللغة وتحورت حتى صار العرب يتكلمون لهجات كلها يختلف عن العربية الفصحى التي في الروايات؛ وبالتالي الكل فرداً فرد وجيلاً جيل لم يمس أي منهم كتب الحديث والروايات ليتعلم منها الصلاة وهم أطفال.
فلماذا يردد البعض مقولة: "وكيف نصلي إذا لم نأخذ بالروايات؟"؟! ما علاقة هذا بذاك؟
هذا فيما يخص الصلاة، وقيسوا عليها باقي العبادات. فالمسلمين كانوا ولا زالوا يتعبدون الله يصلون ويصومون ويحجُّون بالتلقي والمشاهدة جيلاً عن جيل من رسول الله ليومنا هذا دون أن يذهب أحدهم للروايات ليتعلم منها كيف يعبد الله، حتى من يتخيل أنَّ الروايات يتعامل معها الفقهاء والمتخصصون بدراستها، وهم من يفهمون التفاصيل بشكل أكبر, فيا ليت من يعتقد بهذه الفكرة أن يحضِر لنا هؤلاء الأطفال الذين تعلموا الصلاة بالذهاب لفقيه وليس بمشاهدة أهلهم.

هـ) الأمر الأخير هو أنَّ هناك من يعتقد أنَّ الأحوال الشخصية من طلاق وزواج وغيرها من الأمور الحياتية لا يمكن أن تتم بدون وجود الروايات. وهنا يتبين عدم معرفة أصحاب هذه الأسئلة بالطريقة التي تسير بها الأمور في الواقع العملي فهم مغلقون في نظرتهم على حيِّهم ومدينتهم ودولتهم القطرية الضيقة، ويتصورون أنَّ كل العالم الإسلامي يفعل ما يفعلون. 
وكالعادة دعونا نأخذ مثال لتوضيح الأمر، وليكن الطلاق. فهناك آلاف الروايات التي تمس مسألة الطلاق بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وكثير من هذه الروايات يناقض بعضها بعضاً، وبسبب تناقض الروايات فإنَّ كل دولة إسلامية لها قانون طلاق يختلف عن الأخرى، وقد يصل الاختلاف لدرجة أنَّ الطلاق يكون واقع في دولة مسلمة، وبمجرد أن تجتاز خط الحدود الوهمي بين بلدين مُسْلِمَينِ، يصبح الطلاق غير واقع. ببساطة، لأنَّ قوانين الدولة المجاورة تعتمد مذهب فقهي يختلف عن المذهب الفقهي لتلك الدولة، أي أننا أمام قوانين أحوال شخصية يحددها فقهاء القانون وليس الروايات، فالطلاق على المذهب الشافعي يختلف عنه في المذهب المالكي والمالكي يختلف عن الحنفي.
أمَّا إذا ذهبنا للطلاق عند السنة والشيعة فحدِّث ولا حرج عن حجم الاختلاف، والاختلاف ليس سطحي، وإنما يصل إلى حد التناقض الكامل، فهناك حالات يقع فيها الطلاق عند المالكي، ولكن على النقيض لا يقع فيها الطلاق عند الشافعي وهكذا دواليك.
وكل فريق طبعاً لديه حزمة رواياته التي يستند عليها والتي هي صحيحة عنده يصح الأخذ بها ولكن المذهب المخالف يُضعِّفها أو لا يأخذ بها. و بالتالي أي مسألة أحوال شخصية وأي مسالة حياتية مثل مسألة الطلاق تقوم بالأساس اليوم على فقهاء القانون الذين بعضهم يضع قوانين جديدة تنظم الطلاق خارج نطاق الروايات والمرويات لأنه لا يمكن الاعتماد عليها فقط لتنظيم الطلاق لكثرة الاختلاف بين الروايات ولطبيعتها الظنيَّة التي تجعل البعض يصحح ما يُضعِفه الآخرون والعكس بالعكس.

الخلاصة هي أنَّ كل الأحكام الشرعية سواء طلاق أو زواج أو معاملات فيها أقوال وليس قولين فقط؛ لأنَّ الأحكام الشرعية تختلف من بيئة لأخرى وترتبط بظروف اجتماعية وسياسية هي ما يرجح أخذ روايات دون أخرى أو حتى تركها جميعاً والعمل على استحداث نظام يراعي فقط الصالح العام. هذا هو الواقع المعاش.

خلاصة مقالنا هذا هو أننا لم نقل ولا نقول بإنكار "السُّنة" كما يدعي قاصرو الفهم، ولا نحارب الدين كما يزعم المتشددون التكفيريون، كل ما قلناه هو أنَّ عالم الروايات عالم كله ظني. وأنَّ العالم الذي نعيشه يختلف عن العالم الوهمي الذي يعيشه البعض. فالبعض متقوقع في بيته وفي شارعه ويتصور أنَّ العالم لا يفهم ولا يعرف سوى ما يتداوله الناس في حيِّه ومدينته. هؤلاء الذين يعيشون في وهم يتصورون أنَّ ما يعرفونه من روايات (هم لا يعرفون الكثير أصلاً) هو أمر متفق عليه بين المليار ونصف مسلم.
يا صديقي الواهم! الروايات الصحيحة في بلدك، ضعيفة في بلدان أخرى. إنَّ طبيعة الروايات الظنية خلقت فِرَق ومذاهب وجماعات كلٌ يأخذ بروايات تختلف عن باقي المذاهب والفرق. وكثير من هذه الأمور مرتبطة بالظروف الاجتماعية والصراعات التاريخية والسياسية. الاختلاف بين الاعتراف بروايات ورفض بعضها قسَّم المسلمين بين فرق ومذاهب وخلق حتى صراعات وحروب. فما بالكم لو تكلمنا عن الاختلاف بين فهم وتفسير حتى الروايات التي يعترف بها نفس المذهب ونفس الفرقة. الأمر أكبر بكثير مما تتخيله أخي المعترض، أنت تحتاج للخروج خارج حدود مدينتك ودولتك لترى عالماً مختلفاً عمَّا هو في ذهنك.

الخلاصة هي أننا ندرك حجم الاختلاف الذي سببته الروايات ونعرف طبيعتها الظنية، ولذلك، إننا ندعو لوضع منهجية منطقية لطريقة التعامل مع الروايات، ولا نسعى لإنكارها أو إنكار "السنة". محاربتي للدين هي خيالات يسبح فيها المتشددون الذين يقذفون الناس بغير الحق ولا يدركون أنَّ خصمهم يوم الحساب سيكون الله وليس أنا.. لماذا؟ لأنهم تألهوا على الله وتصرفوا وكأنهم يعلمون خائنة الأعين وما تخفي الصدور؛ وبالتالي دخلوا قلبي وعرفوا أنَّ نيتي هي محاربة الدين. يا من رماني بالكفر واتهمني بمحاربة الدين جهِّز حججك لتقنع الله بأنني كافر أحارب الدين وليس لتقنعني أنا، فأنا أعلم يقيناً أنك كاذب، فالله جل في علاه ثم أنا فقط من يعلم ما في قلبي، قلبي الذي أدعيت أنك أطلعت على ما فيه يحب الدين ويسعى لتطهيره من غلو وتشدد أمثالك.

سنواصل رغم الحرب الشرسة من المعترضين ليس فقط لأنني لا أبالي بمن لا يعترف بالعقل كميزان، ولكن لأنهم قلَّة. فكلما نظرت لحجم الإعجاب بالمقالات وحجم مشاركتها رغم طولها، وكلما نظرت للآلاف الذين يقرأون، وعشرات الآلاف الذين يتابعون، صَغُرت في عيني المعارضة. لذلك، نحن مستمرون في مشوار #السعادة التي وثق الآلاف أننا على سكتها سائرون.. فتابعونا. 

No comments:

Post a Comment

مفهوم علاقة الرسول بمن جاء بعده

مفهوم علاقة الرسول بمن جاء بعده   ها قد عدنا للمقالات بعد توقُّف دام لقرابة الشهرين. فقد أثَّر افتتاح قناة اليوتيوب وإعداد الحلقات...

مقالات سابقة