الدين و التدين و الفرق بينهما (المقال المُفصّل)

الدين والتدين والفرق بينهما (المقال المُفصَّل)


مقال اليوم هو المحطة الرابعة في سلسلة المقالات التي تمهد لوضع قواعد منهجية للتعامل مع الروايات. واليوم هو دور تقديم المقال المُفصَّل. فكما تعلمون بدأنا بالأمس بطرح مفهوم "الدين" ومفهوم "التدين" والفرق بينهما وقلنا أنَّ هذا هو في الحقيقة يمثل مسألة جوهرية لفهم القرآن بشكل خاص ولفهم إسلامنا بشكل عام.
ولكي نبدأ، فنحن بحاجة لشرح معنى المصطلحين قبل أن نستطيع تحديد الفرق بينهما وهو ما سيمهد لفهم أفضل لحقيقة الروايات.


ولنبدأ "بالدين"، وأنا هنا لست بصدد تعريف شامل مانع للدين، وإنما أريد أن أقدم التعريف الذي يخدم إظهار الفارق بين الدين والتدين بعد تعريف كلٍ منهما:
الدين: هو المعتقدات الكلية الخاصة بطبيعة السلوك والعلاقة بين الإنسان وكل ما حوله. منها ما هو غيبي مرتبط بما وراء الطبيعة من غير المحسوس والملموس، ومنها ما هو حسِّي مرتبط بالموجودات المحسوسة في الطبيعة.


فالدين نوعان. نوع مصدره الرسالات التي يتواصل بها الله مع البشر والذي نجده في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ). ونوع مصدره الفطرة التي فطر الله عليها الإنسان وهذا موجود في كل إنسان سواءً وصلته رسالة أم لم تصله، وهو ما يمكن رؤيته بوضوح في قوله جل في علاه (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، فكل الناس مجلوبين على الدين القيم سواء علموا ذلك أم لم يعلموه أو بقوا عليه أو غيروه.
ويمكن تلخيص سمات الدين في النقاط التالية:
## الدين مختص بالكليات والعموميات فيما يخص علاقة الإنسان مع غيره سواء كان غيبياً غير محسوس مثل الخالق العظيم جل في علاه، أو محسوساً ملموساً من إنس وحيوانات وطير وبيئة وكل محسوس.
## الدين عبارة عن مجموعة حقائق مجملة ثابتة غير متغيرة
## الدين مصدره رب العزة جل جلاله سواء جاء على شكل رسالة أرسلها الله أو فطرة زرعها الله


أمَّا التدين فهو على وزن تَفَعُّل أي تفعيل الشيء بمعنى تحويله من مبادئ وأفكار إلى أفعال ولهذا يمكن تعريف التدين الذي نقصده نحن هنا كالتالي:
التدين: هو التفاصيل العملية المترتبة على المعتقدات الكلية للدين.
بمعنى آخر، هو تفعيل المبادئ الأساسية المجردة للدين لكي يتم تطبيقها في الواقع العملي. وبالتالي يمكن أن نقول أنَّ الدين هو النظرية، والتدين هو تطبيقها. 
وكما للدين سمات، فإنَّ للتدين سمات أيضاً وإليكم أبرزها:

## التدين مختص بالتفاصيل وليس بالعموميات.
## التدين عبارة عن تطبيق مرن لمبادئ الدين ما يعني أن التطبيق قابل للتغيير والتطوير.
## التدين مصدره بشري ويأخذ شكلين، شكل نبوي وآخر غير نبوي.


من خلال تعريف كل من الدين والتدين وتقديم بعض سماتهما الرئيسية، نكون قد قمنا بالفعل بالمقارنة بينهما. فمن الواضح أنَّ القرآن يحوي الدين، والذي هو المبادئ والكليات، وأيضاً، فقد نقل لنا من خلال القصص القرآني لقصة نبينا محمد عليه السلام بعض سمات التدين الذي كان سائداً في زمن الرسالة. بينما التدين، كما قلنا له شكلين. شكل نبوي وهو السنة الفعلية المتواترة، وشكل غير نبوي وهو ما يعادل الاجتهاد الفقهي.


التفريق بين الدين والتدين هو أمر جوهري وأساسي لحل المشاكل الذهنية وطريقة التصوير النمطي لكل شيء في الحياة بحيث أنَّ معظمنا لا يُفرِّق بين ما هو دين وبين ما هو تدين. أحد أهم التحديات التي تواجهنا اليوم كمسلمين هو توضيح حقيقة أنه يجب ألا نخلط بين الدين ذو الثوابت التي لا تتغير، وبين التدين ذو الطبيعة المرنة المتغيرة.
إنَّ تحويلنا لكل شيء إلى دين، قد أضاع المرونة وقضى على التحديث والتطوير لأنَّ الدين هو ثوابت ثابتات لا تتغير ولا تتطور إلا من خلال الغوص في أعماق نفس المبادئ والثوابت والخروج بمعاني وأبعاد أعمق وأكثر لنفس المبادئ الثابتة.

وكنتيجة لتحويلنا لكل شيء على أنه دين وعدم تفرقتنا بين ما هو دين وبين ما هو تدين، أدَّى لتجميد كل شيء في حياتنا لأننا نرى أنَّ كل شيء دين. ولأنَّ الدين عبارة عن ثوابت لا تتغير ولا تتطور، تجمد فكرنا وصرنا جامدين لا نتغير ولا نتطور فتطور كل شيء حولنا وارتقى وبقينا نحن مجمدين في القاع وعالة على العالم.


أعرف أنَّ كل ما قدمناه في المقال حتى الآن هو أفكار مجردة وتعريفات ومقدمات، لكن هذه هي طبيعة توضيح المبادئ المجردة. لكن لتوضيح الأمر سنحتاج أن نقدم الأمثلة لتبسيط الفكرة ولنرى الصورة بشكل أوضح.


لنبدأ بمثال على شيء من الدين وهو مبدأ البعث والحساب. البعث و الحساب هو أحد المبادئ الكلية في القرآن التي نراها بوضوح كمبدأ يؤكِّد عليه القرآن على طول الكتاب وعرضه . هذا المبدأ هو من الدين لأنه تنطبق عليه كل سمات الدين التي ذكرناها في الأعلى:
## فالبعث والحساب هو من الأمور الغيبية ومبدأ من المبادئ الكلية التي يقوم عليها الدين
## البعث والحساب حقيقة غيبية مجملة ثابتة لا تتغير. فمبدأ البعث والحساب جاء مع أول رسالة جاءت للإنسانية، إلى يومنا هذا، إلى يوم البعث. فلذا لن يتغير ولن يتطور لأنَّه من الدين
## البعث  الحساب بطبيعة الحال مصدرها الخالق العظيم جل في علاه لأنَّها وردت بكثرة في القرآن الذي هو من عند الله جل في علاه، فبدون أن يخبرنا الله في الرسالات بأنَّ هناك بعث وحساب، لم يكن هناك مجال لنا لنكتشفها بأنفسنا.
نستنتج من المثال أنَّ مبدأ البعث والحساب ليس فقط هو جزء من الدين، وإنما أيضاً أنه ليس جزء من التدين لعدم وجود أي سمة من سمات التدين في مبدأ البعث والحساب. فإيماني بالبعث والحساب ليس جزءً من تديني، وإنما جزء من ديني.


والآن دعونا نقدم مثال على التدين: الحج هو مثال جميل وواضح على التدين لأنَّ الحج تنطبق عليه الكثير من صفات التدين وبه كل سماته. فالحج تم ذكره في القرآن كعملية تعبدية، و لكن لم ترِد تفاصيل دقيقة لطريقة تأديته في القرآن ... والسبب هو أنَّ الحِج هو من التدين أي من التَفَعُّل ومن التفعيل للعلاقة بين الإنسان وخالقه ولهذا لا يتم تصنيفه تحت مظلة الدين. ولكي يتضح ما اقصده من أنَّ الحج ليس من الدين و إنما من التدين أي من تفعيل الدين، فمن المعلوم أنَّ الدين هو الثوابت مثل توحيد الله والإيمان بالبعث والحساب والجنة والنار والجن والملائكة وغيرها من الكليات والمبادئ الدينية التي في مجملها تشكل الدين. ولهذا فإنَّ الدين ثابت غير متغير وهو ما حصل بالفعل عندما جاء كل الرسل والأنبياء بنفس الدين. فموسى وعيسى عليهما السلام لما يأتيا إلا بالدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. 
ولهذا قال الله في سورة الشورى (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) .... فكل الأنبياء والرسل جاءوا بنفس الدين (أي بنفس المبادئ الكلية)، لكن ليس كلهم كان يتدين، أي يُفَعِّل الدين بنفس الطريقة، لم يتعبدوا بنفس الطريقة؛ ولهذا لم يأتي الحج كجزء من رسالة كل الأنبياء لأنَّه ليس من الدين وإنما من التدين. فالنصارى لم يكن من تعاليم الله لهم يوم كانوا نصارى على دين الحق زمن عيسى عليه السلام، لم يكن من تعاليم الله لهم أن يحجوا لمكة ولا قوم موسى أمرهم الله أنَّ يطوفوا بالكعبة. وهذا وحده دليل كافي على أنه لا يصح تصنيف الحج على أنه من الدين وإنما هو من التدين أي من تفعيل المبادئ الكلية للدين الخاصة بطبيعة السلوك والعلاقة بين الإنسان وكل ما حوله.
والآن دعونا نعرض الحج على سمات التدين التي ذكرناها في الأعلى:
## الحج هو من ضمن تفاصيل تفعيل العلاقة بين الإنسان وخالقه جل وعلا أي أنه من العبادات التي اختص بها اتباع الرسالة المحمدية
## الحج ليس من الثوابت الغير قابلة للتغيير. فبطبيعة الحياة ولازدياد أعداد البشر وبسبب الحوادث المتكررة في الحج، فقد أخذ الحج شكلاً فيه اختلافات كثيرة عن شكله الأصلي الذي أدَّاه النبي. لا يستطيع أحد الإدعاء بأنَّ الحج اليوم هو نفس الحج الذي أداه الرسول مع أصحابه؛ وبالتالي هو متغير وليس ثابت.
## الحج مصدره بشري وأخذ الشكل النبوي لأنَّه جاء باجتهاد من النبي صلى الله عليه و سلم. وقد يبدو هذا للبعض غريباً، لكن هذه هي الحقيقة ولم آتي بجديد أو بشيء من عندي. فكما بيَّنت، القرآن أصلاً لم يتناول تفاصيل الحج، وإنما أقرُّه كعمل تعبدي مجمل من ضمن أعمال التدين المترتبة على الدين، والتفاصيل اجتهد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولأنَّ فقهاء الإسلام قديماً وحديثاً قد فهموا أنَّ تفاصيل حج النبي هي اجتهاده الشخصي وليست أوامر ربانية ووحي إلهي لا يصح مخالفته، فقد قدَّموا هم أيضاً اجتهاداتهم في تفاصيل الحج لمَّا صار هناك حاجة للاجتهاد وتطوير طريقة أداء مناسكه بما يتناسب مع ظروف زمننا. وهذه الاجتهادات والتجديدات بطبيعة الحال خالفت اجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلَّم. وهنا طبعاً أعيد وأكرر بأنَّ تفاصيل الحج اليوم ونحن في سنة 1441 من الهجرة، ليست بنفس التفاصيل التي أدَّى بها سيدنا رسول الله الحج.
الكل يعلم هذا لأنَّ طريقة وتفاصيل أداء شعائر الحج صارت تتغير بشكل أسرع في وقتنا عن ذي قبل بسبب الحوادث التي أودت بحياة كثير من الحجاج في السنوات الأخيرة.


وبما أننا في المقال المُفضّل, سنقدم مثالاً آخر لكل من الدين والتدين كي تظهر الفكرة بشكل أكثر وضوحاً ولنأخذ الجنة والنار كمثال على ما هو دين، ولنأخذ الصلاة كمثال على التدين.
دعونا نتحدث عن الجنة والنار. فالجنة والنار يمكن معرفة أنهما من الدين وليسا من التدين بمجرد عرضهما على سمات الدين وسمات التدين. ولنعرضهما الآن على سمات الدين:
## الجنة والنار من الغيبيات التي لا يمكن أن نعرف عنها شيء إلا من خلال الرسالات.
## الجنة والنار هي من المبادئ الدينية الثابتة التي لا تتغير، فمهما تبدلت الظروف والأحوال، ومهما تغير الزمان والمكان، فمفهوم الجنة والنار لن يتغير. وبالتالي هو من الأمور الثابتة الغير متغيرة وهي أحد سمات الدين المهمة.
## مصدر الجنة والنار هو الله جل في علاه لأنه هو سبحانه من ذكرها لنا في القرآن مراراً وتكراراً وكل تفاصيل الجنة والنار هي أمور غيبية لا نصل لشيء منها إلا من خلال القرآن ولم يتدخل في وضع تفاصيلها لا إنس ولا جن ولا نبي مقرب.


ولنأحذ الصلاة الآن. فالصلاة قد يعتقد البعض أنها يمكن أن تُصنف تحت بند الدين، في حين أنها بكل وضوح تصنف تحت مظلة التدين. ولتوضيح الصورة، دعونا نعرضها على سمات التدين:
## الصلاة هي عمل تطبيقي له تفاصيل كثيرة وليست من العموميات. فأمر الله بإقامة الصلاة، لم يقترن بالتفاصيل لأنَّ الصلاة هي من التدين وتفاصيلها تكون بشرية وليست إلهية. وهذه حقيقة رغم أنني أتخيل أنَّ البعض يملئه الاستغراب الآن. ولا أظن أنه سيأتينا أحدهم ليقول أنَّ القرآن به كل تفاصيل الصلاة.
## الصلاة مثلها مثل الحج ليست من الثوابت الغير قابلة للتغيير. فبخلاف الجنة والنار، فإنَّ هيئة وتفاصيل الصلاة تختلف من حال لآخر. فالمريض لا يصلي مثل السليم، والمسافر لا يصلي مثل المقيم، و المرأة لا تصلي مثل الرجل، بل يمكننا أن نرى اختلافات على كل المستويات مثل أن تذهب لبلد ما يتبنى أهله المذهب المالكي فتجد تفاصيل صلاتهم تختلف عن بلد أهله يتبنون المذهب الحنفي.
والشيعي ليس كالسني بكل تأكيد. هناك من يصليها جماعة وهناك من يصليها فرادى. هناك اختلافات كثيرة جداً لو بدأنا نتحدث عن تفاصيل مثل البسملة والفاتحة ووضع اليد والسهو وغيرها الكثير.
صلاة الجماعة التي أدَّاها النبي بأصحابه، تختلف بكل تأكيد في تفاصيلها عن معظم الجماعات التي تقام اليوم في المساجد لأنَّ كل مسجد له مذهب يسير عليه، وحتى كل مصلي يصلي بطريقة تختلف في تفاصيل حركاته وسكناته عن الشخص الذي يصلي جنبه.


ولتوضيح الأمر أكثر، فالجنة والنار وما نعرف عنها من معلومات وتفاصيل أخبرنا الله بها في القرآن، هي نفسها أين ما ذهبت وكيفما اتجهت لأنَّ مصدر وصفهما القرآن الذي لا يختلف من بلد لآخر ولا من مذهب لآخر. فأنا عندما أمرض ستختلف صلاتي عن صلاتي وأنا سليم، بينما الجنة والنار لا يتغير في ذهني شيء عنهما عندما أمرض. وعندما أسافر تتغير صلاتي بينما سفري لن يغير شيء مما أعرفه عن الجنة والنار.
## الصلاة مصدرها بشري وأخذت خليط من الشكل النبوي والشكل غير النبوي. فتفاصيل الصلاة طبعاً غير موجودة في القرآن لأنَّ تفاصيلها ليست من الدين وإنما من التدين. ولذلك، فإنَّ مَن وضع تفاصيلها هو اجتهاد النبي نفسه.
أعرف أنَّ البعض الآن يُشعِر ربما حتى بالغضب وليس الاستغراب فقط لأنهم يسمعون خلاف ما استقر في أذهانهم وما تم تلقينه لهم. أتفهم هذا. لكن لكي نكون عمليين، نريد إجابة صادقة مع النفس للأسئلة التالية:
- هل تفاصيل الصلاة ثابتة بين المسلمين؟ ..... بالتأكيد لا
- هل تختلف الصلاة من مذهب لآخر ومن سنة لشيعة ومن بلد لبلد؟ .... بالتأكيد نعم

إذاً فتفاصيل الصلاة خاضعة للاجتهاد وليست للوحي كما يتصور البعض. فلو كانت تفاصيل الصلاة أمر ثابت غير قابل للتغيير، أو كانت وحي من الله لرسوله، لكان يلزم أن نصلي جميعاً نفس الصلاة بكل تفاصيلها، وهو الأمر الذي لا يحدث ولن يحدث.
 وبالمناسبة، فإنَّ فقهاء المذاهب لم يختلفوا في التفاصيل بناءً على هوى أو تعصب، وإنما بناءاً على اجتهاد فقهي علمي وكلٌ يتبع دليل يبنيه على قواعد مذهبية محددة.
ولذلك، فإنَّ تفاصيل الصلاة هي اجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل من نقتدي به بكل تأكيد. لكنَّه ترك الأمور للاجتهاد من بعده وهذا ما فهمه فقهاء السلف الكرام. لو كان فقهاء السلف يرون أنَّ تفاصيل الصلاة هي أمر ديني لا يقبل التغيير أو التحوير لما اجتهدوا برأيهم في التفاصيل. وبالتالي الصلاة مثلها مثل الحج هي من الأركان، وكلٌ منهما تغيرت تفاصيله مع الزمن حسب الظروف والأحوال، ولهذا أجتهد الفقهاء قديماً وحديثاً في الحج (كما في الصلاة) وغيَّروا من التفاصيل ما رأوا ضرورة تغييره، فرغم علمهم بطريقة أداء النبي لبعض مناسك الحج على سبيل المثال، إلا أنَّ تغير الظروف دفعهم لتغيير التفاصيل تبعاً لمصلحة الإنسان لأنَّ الحج من التدين والتدين ليس من الثوابت التي لا تتغير مع الزمن. وصدق الله جل في علاه عندما قال (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ) سبحانه لم يجعل علينا في الدين من حرج، ورفع الحرج يتطلب المرونة والتغيير وهو ما يحصل بالضبط في التدين، والذي هو تفعيل الدين وتطبيقه بشكل عملي.


الخلاصة هي أننا بحاجة لفهم ما هو الدين وما هو التدين - والذي هو تفعيل الدين - ولفهم الفرق بينهما؛ لأنَّ فهم الفرق بينهما هو أحد الأدوات المهمة التي سنحتاجها لوضع قواعد منهجية للتعامل مع الروايات. بالمختصر، نحن نريد أن نفرق بين ما هو ثابت لا يتغير ولا يتطور وبين ما هو مرن متغير يتطور ويتغير ما يرفع الحرج عن اتباع الدين. فِهم هذه المسألة يحتاج للنظر بشكل عام في الروايات للخروج بصورة عامة، وهي ما سيساعدنا للتفريق بين ما هو ثابت وبين ما هو متغير، وهي التي ستعطينا صورة مقرَّبة لاجتهادات النبي ولتطبيقه للتدين.


لذلك، نحن بحاجة للروايات وليس كما يعتقد البعض أننا ضدها ونريد نسفها والتخلص منها، لكن نريد أن نضعها موضعها الصحيح كي لا تتحول لأداة لخدمة التفرق والتمذهب وعصا في أيدي السلاطين المتسلطين للحفاظ على عروشهم وحماية سرقتهم لأموال الناس.
الروايات سلاح ذو حدين. ولذلك، نريد أن نضع منهجية لطريقة التعامل معها وهو ما نحن بصدد فعله ولله الحمد. أدامكم الله وأدام #السعادة في قلوبكم.. فتابعونا.

No comments:

Post a Comment

مفهوم علاقة الرسول بمن جاء بعده

مفهوم علاقة الرسول بمن جاء بعده   ها قد عدنا للمقالات بعد توقُّف دام لقرابة الشهرين. فقد أثَّر افتتاح قناة اليوتيوب وإعداد الحلقات...

مقالات سابقة