رسالتي إلى المعارضين لمشروعنا

رسالتي إلى المعارضين لمشروعنا

وها قد جاء اليوم، مشتاق للحديث معكم مخالفي لعل الله يفتح على بعضكم فتفهمون منهجي ولغتي وتبعدوا تلك الصور المسبقة من رؤوسكم.
اليوم أكتب رسالتي للمعارضين لمشروعنا ومنهجيتنا، أعارض أفكاركم ولكن بعقل وباحترام، وأعرف أنكم طيف متنوع ولستم بكل تأكيد على قلب رجلٍ واحد. فبكل تأكيد هناك من يعارضني بنسبة 10% وهناك من يعارضني بنسبة 100% وبينهما درجات.
في خاطري عدَّة أمور وعدَّة رسائل أود أن أوصلها لكم، ولكي أكون منظماً سأضعها في نقاط ليسهل الاطِّلاع عليها ويتيسر وصول كلامي لعقولكم قبل قلوبكم. 
فإليكم ما في جعبتي:

  1. يوماً ما كنت أمشي مشيتكم وألبس لباسكم وأعيش أشدُّ أنماط الحياة تشدداً مثل أكثركم تشدداً وتمسكاً تقليدياً حرفياً بما وصلنا من علوم الأولين، فلا تظنون أنني لا أفهم لغتكم ولا أعرف منطلقاتكم، فقد جادلت أمثالي اليوم بنفس حججكم وأكثر.

بالأمس، كنت مغمض العينين لا أرى إلا ما تلقيته في المساجد وقرأته في أمهات الكتب وتعلمته على أيدي المشايخ، فقد أفنيت عمراً أطلب "العلم" وأجتهد في فهم "ديني" بنفس طريقتكم اليوم.
طريقتكم اليوم هي نفس طريقتي بالأمس لم تتغير أو تتزحزح قيد أنملة، فمنهج الدين "التراثي" هو هو، لم يتغير منذ قرون لأنَّ التجديد فيه حرام وزندقة وكُفر عند أكثركم تشدداً.

خلاصة ما أريد قوله هنا هو أنني لست غريباً عنكم البتة، وكنت من فرسان الكلام لا يشق لانطلاقتي غبار إن بدأت المجادلة والحوار. فوفِّروا على أنفسكم عناء تعب إعلامي ما علمت ومحاولة تعليمي ما تعلمت. أنا فقط أريد ألا يضيع وقتكم في تحصيل حاصل. ما أريدكم أن تعلموه هو أنني أفنيت ما يقرب من 25 سنة في تدارس كتب التراث، وحفظت القرآن وتتلمذت على أيدي المشايخ وكنت حتى معلماً وإماماً، وبالتالي وتماشياً مع معاييركم فأنا لست جاهلاً بالتراث كما يظن أغلبكم، ومن لديه فطنة وبعضُ ذكاء، قد رأى ذلك واضحاً من لغتي ومن أسلوب كتابتي.

  1. الأمر الثاني الذي أريد مشاركته معكم هو أنَّ ما تسمونه (و ما كنت أسميه) "العلم الشرعي" لا يحتاج إلا أن يكون المرء لديه هِمّة وذكاء، فهِمَّته سيحتاجها للصبر على مجالسة العلماء وقراءة كتب الفقهاء وعلى حفظ الآثار وأسانيدها، بينما سيحتاج الذكاء لكي يطور أساليب حفظ وربط كل ما تعلم وقرأ، وبالطبع لإجادة فن الخطابة والمناظرة. وكل علماء السلف والخلف من أصحاب المذاهب والطرق كانوا أصحاب هِمَّة وذكاء؛ ولهذا صار لهم رصيد وقيمة وصيت وتحولوا لمقصد يقصده كل من طلب العلم. لم يدخل أي منهم جامعة أو يحصل على شهادة ولم يلتحق بشيءٍ من مراكز الأبحاث، هِمَّة وذكاء، ثم عمل ومثابرة هي من جعلت الفقهاء فقهاء بعد توفيق الله جل في علاه.

ما وددت أن يصلكم هو حقيقة أنَّ من يسأل عن مؤهلاتي وشهاداتي لا يعرف أنَّ المؤهلات والشهادات هي اختراع تنظيمي في عصرنا الحديث لم يكن لأي من فقهاء الدين أي علاقة به حيث لم يكن في عهدهم لا جامعات ولا مدارس وإنما حلقات علم يجلسون فيها يتعلمون ثم بعدها يعلمون.

خلاصة ما أريدكم أن تعرفوه هو أنني امتلكت الهِمَّة فأفنيت من عمري سنين طويلة أطلب العلم وأجلس في مجالس العلماء وطالعت كتب الأوَّلين والآخرين. ووهب لي الله الذكاء فعملت بمقتضى نعمة الله عليّ وأسديت شكرها بأن طورت أساليب الحفظ والربط والاستنباط وليس أقل علامة على هذه النعمة منه سبحانه من تمكينه لي للحصول على درجة الدكتوراه في فلسفة العلوم من أحد أفضل عشر جامعات في العالم في مجال دراستي الأكاديمية.
وهذا كله من فضل الله جل في علاه وليس تعالياً وتفاخراً. فمن باب، هو عملاً بقوله تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، ومن باب هو لكي تعلموا أنَّ محدثكم لا يعرف بما لا يعرف.

ج) لدينا مخطط لإطلاق قناة على اليوتيوب قريباً تتناول كل ما نتناوله هنا في صفحتنا ومدونتنا، وبالتالي لن تتمكنوا من معرفة اسمي وأصلي وفصلي فقط، بل وحتى رسمي وشكلي وطولي وعرضي. أعرف أنَّ أغلب المعارضين يركزون على الأشخاص وليس على الأفكار لأنَّهم تربوا على هذا الفكر الذي يشخصن كل شيء ولا يعقلن أي شيء حتى لو كان العقل في أصل مادته.

"العظماء يتحدثون عن الأفكار، بينما يتحدث العاديون عن الأشخاص" 
هو ذلك القول الشهير الذي يُفترض به أن يبيِّن بوضوح أزمة بعضكم الفكرية. لهذا نجد كثير من المعترضين يكاد أن تصيبه قارعة إن لم يعرف من هو قائل الكلام الذي لم يعتد أن يسمعه، فهم يسيرون بالمقلوب في كل شيء، وبدل أن يعرفوا الرجال بقولهم الحق، لا يعترفون بالحق إلا عن طريق الرجال. كل شيء مقلوب عندهم، يخالفون حتى كل فقهاء الإسلام عليهم رحمة الله الذين كانوا يقولون (يُعرف الرجال بالحق ولا يُعرف الحق بالرجال) للأسف فإنَّ أغلبكم يدعي التمسك بأقوال وآراء وعلوم فقهاء السلف دون حتى أن يفهموا منهجهم.

خلاصة هذه النقطة هي أنني ادعوكم للتعلم من فقهاء السلف، وأن تقتدوا بالفعل بمنهجهم فهم يعرفون الرجال بالحق ولا يعرفون الحق بالرجال. فكفوا عن سؤال (من أنتم؟) وركِّزوا في حقيقة ما نقدم من آراء ومنهجية.ناقشوا أفكاري ودعوكم من شخصي.

د) وهنا أحب أن أوضح أمر مهم لأنَّ البعض قد فهمني بشكل غير صحيح،  أعتقد أنني ضد أراء الفقهاء وأنني ابغضهم وأرى أنهم جهلاء وشر وأعداء إلخ إلخ إلخ...

فقهاء التراث بعمومهم هم كواكب من النور أضاءت في سماء الإنسانية وليس أمتنا فقط. لقد كانوا مثال يُقتدى به وكان حرياً بنا أن نقتدي بهم ولكن للأسف نحن لم نقتدي بهم. أصلاً لو ركزتم فسيكون سر الاختلاف في الرأي بيني وبينكم هو أنني أدعوكم للإقتداء بمنهج فقهاء السلف وأنتم تتمسكون بتقليد أفعالهم وترديد أقوالهم وتبتعدون كل البعد عن منهجهم. 

لقد جاء كل فقهاء السلف المعروفين بمذاهبهم و بكتبهم جاءوا بعد حوالي قرنين من الزمن بعد وفاة رسول الله، ما يقارب الـ 200 سنة فصلتهم عن زمن النبوة ولم يكن بين أيديهم لا كتب ولا مذاهب ولا موروث. فماذا فعلوا؟ قاموا بواجبهم فدرسوا وبحثوا وتقفوا الأثر، وجمعوا كل ما يمكن جمعه وقطعوا القفار والفيافي بحثاً عن المعلومة، ثم بعدها تدبروا القرآن ودرسوه وحاولوا فهمه بأنفسهم وأسسوا مدارس علم تحولت لمذاهب ومناهج بعدهم.
فهل قلدناهم في هذا؟ 
أين بحثنا وجدنا واجتهدنا في وضع مناهج ومذاهب ومفاهيم من كل ما تعلَّمناه؟ 
أين أثرنا؟
أين فهمنا وتدبرنا وتفاسيرنا لكتاب الله؟
لا شيء، كل ما أنتجناه منذ قرون في أعمه الأغلب هو إعادة لكل ما كتبه عظماء فقهاء السلف وترديد ما قالوه وتقليد مشيتهم والتحرك كما تحركوا والسكون أينما سكنوا. تقليد في تقليد وتفنن في إتقان فنون المحاكاة والتقليد لا غير.
لكن منهجيتهم وإنتاج علم مثلهم والبحث في أعماق الأمور كما بحثوا، فهي أمور عندكم ليست للتقليد، بل جعلها أكثر المقلدين تقليداً محرمة علينا، ففقهاء السلف لهم أن يغوصوا وينتجوا منهج وفكر وتفسير وتدبر، أما نحن فليس لنا إلا التقليد والترديد!! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
خلاصة ما أريد قوله هنا هو أن تعرفوا أنني أُجِّلُ الفقهاء وأحترمهم وأعرف قدرهم أكثر منكم، لو عاد فقهاء السلف ورأوا حالنا اليوم، لباركوا فعلي واستعاذوا بالله من فعل المقلدين الذين يكادون أن يتخذوا الفقهاء أنفسهم أرباباً من دون الله. فأنا أقرب لفقهاء السلف منكم وأعرف قدرهم وفضلهم ولست كما يدعي البعض من الذين لم يفهموا منهجيتنا بأنني أحارب الفقهاء أو أدعو لنبذ أفكارهم. أنا ادعو إلى التعلم من منهجيتهم وأفكارهم وليس ترديد أقوالهم وحفظها والتجمد عندها. هذا هو سر الاختلاف بيني وبينكم.

هـ) النقطة الأخيرة هي (الأدب)، نعم، الأدب، وأنا هنا لا أعمم فبعضكم يختلف معي بالكلية لكنه في قمة الأدب والاحترام سواءً معي أو مع المؤيدين لمنهجنا، لكن للأسف أغلب المعارضين لا يعرف حتى أن يكون مؤدباً. فكيف سنقتنع أنه قادر على أن يفهم ما نقول؟ السب والشتم والقذف هو أهم وأول وأكبر علامة من علامات الجهل، فكلما كان أسلوب الشخص بعيد عن الأدب، كان هذا دليلاَ على أنَّ هذا الشخص قريب من الجهل.
يا أخي اختلف بذكاء، وعلى الأقل أحرجنا بأدبك وأقنعنا بأسلوبك المؤدب! كيف تريد حتى أن تقنع نفسك أنك غاضب لدين الله وأنت تتصرف بأسلوب مضاد بالكلية لدين الله؟ من يغضب لله ولدين الله، سنرى أثر ذلك ولو في كلماته وبين سطور تعليقاته، لكن من يسب ويشتم ويقذف ويريد أن يقنع نفسه بأنه غاضب لله، فهذا عنده أزمة في عقله ويحتاج لمساعدة ليرى مقدار جهله.
غضبتك يا عزيزي ليست لله، وإنما لأنك سمعت من يقول بغير ما وجدت عليه آبائك وما تربيت عليه وتم تلقينه لك مع الرضعات التي رضعتها وأنت صغير. لو كان غضبك لله، لكنت ألتزمت بأمره ولم تكن سباباً لعاناً طعاناً، لكن خلو أسلوبك في التعامل مع الناس من أي التزام بأوامر الله، ما هو إلا دليل على أنك خدعت نفسك قبل أن تظن أنك خدعت الآخرين بتخيل أنك غاصبٌ لله.

الأشر من هؤلاء هم أولئك الذين ليس فقط يسبون ويشتمون ويطعنون، بل الذين اطلعوا على الغيب ويعلمون خائنة الأعين وما تخفي الصدور! فتارة يرموننا بالصهيونية، وأخرى بالماسونية، وبعضهم يقول قد كفر وأغلبهم يربطنا بالمخابرات الغربية! سبحان الله. يا هذا أأطلعك الله على الغيب أم شققت عن قلبي لتعرف أنني أخدم الغرب أو الشرق؟
أتصور وبما أنه ليس لهم من الله برهان على ما يتهموننا به، فمن الأسلم لهم أمام الله جل في علاه ألا يفتروا على الناس بالباطل. لا تأخذوا من الدين ما يروق لكم وتضربوا ببقيته عرض الحائط! هل أباح لكم الله أن تقذفوا الناس بالتهم دون دليل؟ ماذا لو سألكم الله يوم القيامة؟ هل ستقولون له غضبنا لدينك بالظن السيئ في أخونا فرمينا بأوامرك عرض الحائط وقذفناه بالظن وطعنا فيه وفي نيته التي لا يعلمها غيرك؟ و إن لم يكن موقفكم ظناً وكنتم جازمين يقيناً أنني ماسوني صهيوني أخدم المخططات الغربية، فلابد وأنكم شققتم عن قلبي وعرفتم حقيقة أمري دون ظن و لا مواربة. حينها قدموا الدليل لله جل في علاه عندما تقفون بين يديه، فنحن لا نريد منكم دليلاً لأننا نعرف يقيناً أنكم تفترون.

هذه خلاصة ما عندي لكم أخوة المعترضين الأكارم. أرجوا أن تسامحوني إن أساء أحدكم فِهم ما كتبت، فوالله ما قصدت إلا خيراً. لا أحقد على أحد ولا أكره أحد سواءً من سب أو طعن، وأريدكم أن تعرفوا أنني لا أدَّعي امتلاك الحقيقة، وأنَّ كل ما أفعله هنا هو فهمي لمنهج علماء السلف بطريقة فهم المنهجية، وليس بطريقة تقليد ما كانوا عليه وترديد ما قالوه. قد أكون مخطئ، وقد تكونون على خطأ، المهم هو أنَّ نعرف جميعاً أنَّ الله هو ربي وربكم و رب العالمين، رب المسلم ورب الكافر وأنَّ هناك يوم حساب لن تفلت فيه من الميزان ذرَّة.

نتمنى لكم #السعادة التي هي هدف مشروعنا، وسبب اجتماعنا في فضاء هذه الصفحة. تحياتي لكم جميعاً وأيضاً لكم مني المحبة.. والسلام عليكم.

No comments:

Post a Comment

مفهوم علاقة الرسول بمن جاء بعده

مفهوم علاقة الرسول بمن جاء بعده   ها قد عدنا للمقالات بعد توقُّف دام لقرابة الشهرين. فقد أثَّر افتتاح قناة اليوتيوب وإعداد الحلقات...

مقالات سابقة