تمهيد مرحلة تناول الروايات وآراء فقهاء السلف
اليوم بعون الله سنبدأ في مرحلة جديدة في مشوارنا نحو #السعادة. البداية كانت من كتاب الله والذي هو المصدر الأول لسعادة الدنيا والآخرة، وكما تعلمون فقد وضعنا قواعد لمنهجية تجديد طريقة فهم وتدبُّر القرآن الكريم وخَلُصْنا إلى سبع قواعد تنظم طريقة تفاعلنا مع كتاب الله جل في علاه بدون وسطاء وحواجز.
اليوم سنبدأ في مرحلة مناقشة ما هو دون القرآن فالله أكبر وأعلى، وأي كلام بعد كلام الله هو أقل قيمة وأقل قدراً مهما كان قائله، والفيصل والجوهر والأصل سيظل دائماً كلام الله في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيلٌ من حكيمٍ حميد.
لكن كيف نتعامل مع كلام البشر بداية من أعلاهم قدراً وهم الأنبياء والرسل، مروراً بالحكماء والفقهاء وأهل العلم سواء قديماً أو حديثاً؟ هذا ما نحن بصدد مناقشته في الأيام وربما الأسابيع القادمة إن شاء الله.
موضوعنا هذا شاق ومعقَّد، ويحتاج لصبر ورويَّة قبل إطلاق الأحكام ووضع مغاليق وأقفال على العقول. فللأسف نحن لم نقل رأينا بعد في كيفية التعامل مع كلام من هم دون الله وعبيدٌ له، بل الآن فقط وصلنا لفتح الموضوع، إلا أنَّ البعض قفَز منذ أسابيع مضت منذ أن بدأنا بوضع قواعد منهجية تدبر القرآن، قفزوا بتهم واستنتاجات حتى قبل سماع أي شيء من قِبَلِنا، وصاروا يقولون منكِر للسنة ويزدري الفقهاء ويحارب الدين! أمثال هؤلاء لا يختلفون في طريقة تفكيرهم عن طريقة تفكير عَبَدَةَ الأصنام ومشركي الأمم السابقة. فهم لا يسمعون ولا يفكرون وإنما يرددون ما ألْفَوا عليه آبائهم فهم على آثارهم يُهرعون.
إنهم لا يكتفون بعدم التفكير فقط، بل يقولون بصراحة أنَّ التفكير ممنوع وحرام وغير جائز وما علينا إلا التقليد. هم مقلدون مخلصون أيما إخلاص في تقليدهم. وأظن أنني لا أُسيء إلى هؤلاء بالقول بأنَّهم مقلدون مبدعون؛ لأنَّهم يفعلون هذا بكل فخر.
وبالابتعاد قليلاً عن هذه الفئة، فإنني أنصح كل من هو مقتنع أنَّ القرآن يخاطب العقل وأنَّ الدين أولَّه عقل وآخره عقل، وأنَّ التكليف أصلاً لا يكون إلا بالعقل، أنصح كل عاقل أن يستمع ويعقل ويفهم ثم يحكم على النتيجة التي نصل إليها من خلال مناقشاتنا. فنحن لا ننكر السُّنة ولا نزدري فقهاء السلف ولا نحارب الدين كما يروج البسطاء المقلدون الذين عطلوا عقولهم فصارت مجردَ وزنٍ زائدٍ عليهم.
في هذا المقال سوف نضع تصور وخريطة طريق لتناول الأمر. الأمر الذي نحن بصدد البدء فيه هو كيف نتعامل مع الروايات وقصص السيرة وآراء فقهاء السلف. هل يجب بالفعل أن نأخذ بها كلها على عمى دون تفكير، أو نوكل مهمة البحث والفهم والتفكير لغيرنا و نتبنى نتائجهم دون تمرير أي شيء على عقولنا؟ أم نأخذ ونرد وندقق ونتفحص كل شيء لنرى ما يصح وما يصلح من كل كلام وصلنا دون كلام الله عز وجل؟
سيكون المشروع الجديد وضع قواعد لمنهجية التعامل مع المرويات وكل ما وصلنا عن فقهاء السلف الأولين عليهم رحمة الله. ولكي نضع قواعد، فنحن بحاجة لنفهم عدة أمور ولنقف على بعض الحقائق كي يكون لدينا رؤية أوضح عند وضع قواعد منهجية التعامل مع كل ما وصلنا غير القرآن الكريم.
النقاط التي نأمل أن نغطيها في الأيام القليلة القادمة قبل وضع قواعد المنهجية يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
.
أ) معرفة طريقة وصول المرويات وآراء فقهاء السلف لنا
ب) هل يوجد فرق بين طريقة وصول القرآن وطريقة وصول الروايات؟
ج) هل كل كلام رسول الله وحي؟
د) هل هناك فرق بين الدين والتدين؟
بمناقشة هذه النقاط والتي ربما نزيد عليها حسب مجريات النقاش، فإنه يمكننا رؤية صورة أوضح لحقيقة ما وصلنا من المرويات وآراء فقهاء السلف. وسوف نتَّبع نفس الطريقة التي بدأناها مؤخراً بحيث سيكون اليوم الأول فيه مقال مختصر لتغطية نقطة البحث. وفي اليوم التالي له نغطي نفس النقطة بشكل موسَّع فيه مزيد من الأمثلة والتوضيح. ولأنَّ المواضيع القادمة فيها بعض التعقيد، فأعتقد أنني سأحتاج لنشر مقالاً ثالثاً للتفاعل والرد على التعليقات الواردة على المقال المختصر أو المقال المفصَّل.
في الختام أريد أن أذكِّر نفسي وكل المتابعين بأنَّ التفكير ليس جريمة، وأنَّ العقل هو لب الدين، فالتكليف لا يكون إلا للإنسان العاقل، والقرآن كله خطاب عقلاني موجه لعقل الإنسان.
لنتدكر كل هذا، ولنتذكر دوماً أنَّ الله جل في علاه عندما قال (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) كان يخاطب كفار قريش. تذكروا هذا جيداً، لقد لام الله كفار قريش على أنهم لا يتدبرون القرآن بعقولهم فكيف يراد لنا أن نقتنع أنَّ الله لا يريدنا نحن المؤمنون أن نتدبر القرآن؟ إذا كان كفار قريش مطالّبين بتدبر القرآن، فكيف نتخيل أنه محرمٌ علينا وأنَّه يجب أن نضع بيننا وبين كلام الله وسطاء وبيننا وبين القرآن حاجزاً؟
من أراد تدبر القرآن فلن يحتاج لوسطاء بينه و بين القرآن لأنَّ القرآن ليس كلام بشر، وإنما كلام خالق البشر جل في علاه.
كل ما نحتاجه لتدبر القرآن هو أن نجتهد ونعمل ونصبر ونتعلم وسيصل نوره إلى قلوبنا. من أجل هذا النور بدأنا مشوارنا نحو #السعادة، نحو فهم أفضل لأنفسنا وكل ما حولنا.. فتابعونا.
No comments:
Post a Comment