الفرق بين طريقة وصول القرآن و طريقة وصول الروايات (المقال المختصر)


الفرق بين طريقة وصول القرآن وطريقة وصول الروايات (المقال المختصر(
سنستمر اليوم بإذن الله جل في علاه في سلسلة مقالاتنا التي تتناول موضوع وضع قواعد لمنهجية التعامل مع الروايات التي وصلتنا والتي تم تجميعها وتدوينها بعد قرون من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. وكما بيَّنا في المقال التمهيدي، فإننا سنغطي الفرق بين طريقة وصول القرآن إلينا وطريقة وصول الروايات سواء روايات الحديث أو السيرة، وبما أننا غطينا في المقال السابق طريقة وصول الروايات إلينا، فبطبيعة الحال للمقارنة بينها وبين طريقة وصول القرآن سيكون معظم المقارنة اليوم تتم عن طريقة توضيح طريقة وصول القرآن إلينا.

معظم المسلمين يتخيلون أنَّ القرآن وصل بنفس الطريقة التي وصلت بها الروايات، وهو الأمر العاري تماماً عن الصحة. فالقرآن سَلك طريقاً غير الذي سلكته الروايات في الطريق إلينا. ولجعل الأمر أكثر وضوحاً وسهولة سنضعه في نقاط كالتالي:
أ) القرآن نقله حي عن حي
بالتأكيد لم يسمع أحد سند لرواية أي آية من آيات القرآن الـ 6236. لا يوجد سند ولا سلسلة عنعنة عن فلان عن فلان عن فلان. والسبب هو أنَّ سلسلة نقل القرآن لنا لا يوجد من بينها حي يروي نقلاً عن رواية ميت كما هو الحال مع الروايات التي تعد بعشرات الآلاف من الروايات. هذه الروايات كلها روايةٍ رواية يوجد في سلسلتها حي يروي عن أموات لم يسمع منهم حيٌ مدون.
---------------------------------------------------
وبالتالي الفرق الأول بين القرآن  بين الروايات هو:
القرآن: هو رواية حي عن حي، عن حي، عن حي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الروايات: هي رواية حي عن ميت، عن ميت، عن ميت، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
---------------------------------------------------

ب) القرآن جمعه نفس الجيل الذي سمعه
بخلاف الروايات التي حصل في تدوينها انقطاع، مما جعل كل الروايات على بكرة أبيها بدون استثناء تحوي أموات في سلسلة رواتها، فإنَّ القرآن على النقيض تماماً. القرآن نزل من السماء على قلب نبينا محمد عليه السلام، والذي بدوره تلاه على أصحابه، فقام أصحابه بتدوينه بأمر منه صلى الله عليه وسلم وقت نزوله، أي أنَّ القرآن تم تدوينه في نفس لحظة سماعه للمرة الأولى، ثم قام أبو بكر بجمع تلك المدونات، ثم قام عثمان بوضع كل تلك المدونات في مصحف واحد، أي أن نفس الأحياء الذين سمعوا القرآن وهو ينزل. نفس الجيل الذي نزل عليه القرآن لم يمت إلا والقرآن مجموع ومدوَّن في مصحف، أي أنَّ الجيل الذي نزل عليه القرآن سلّم القرآن للجيل الثاني في كتاب المصحف وبدأت بعدها عملية تسليمها من جيل لجيل حتى وصل لنا.
الروايات كما ذكرنا بالأمس لم يتم جمعها ولا تدوينها إلا بعد قرنين من الزمن. قرنين يعني 200 سنة انقطاع بين زمن حدوث حادثة الرواية وبين زمن تدوينها في كتب.
---------------------------------------------------
وبالتالي الفرق الثاني بين القرآن وبين الروايات هو:
 القرآن: الفارق الزمني بين زمن نزول القرآن وبين زمن تدوينه يساوي صفر.
 الروايات: الفارق الزمني بين زمن حدوث الرواية وبين زمن تدوينها يساوي 200 سنة.
---------------------------------------------------

ج) القرآن تعهد الله بحفظه
تعهد الله بحفظ القرآن بقوله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وبالفعل انتشر وينتشر بين أيدي مليارات المسلمين مليارات النسخ من القرآن الكريم في كل منها 114 سورة موزعة على حوالي 600 صفحة تحوي 6236 آية كلها بنفس الترتيب آيةٍ آية منذ أول مصحف كتبه الجيل الأول إلى يومنا هذا. وصدق الله وعده وبالفعل تم حفظ القرآن الكريم. 
ومن الطرق التي أدت لحماية القرآن الكريم من العبث والتحريف والزيادة والنقصان، هو أنه ومنذ بداية الجيل الأول حفظ القرآن في قلوبهم كلمةٍ كلمة وحرفٍ حرف جموع من الناس. وبالتالي مئات من الجيل الأول حفَّظوا آلاف من الجيل الثاني، وآلاف من الجيل الثاني حفَّظوا آلاف من الجيل الثالث وهكذا دواليك، حتى صار حفظة القرآن آيةٍ أية (6236 آية) يُعدون بالملايين. فمن ضِمن طرق وصول القرآن إلينا أنه على طول تاريخ الإسلام انتشرت مدارس متخصصة فقط في حفظ وتحفيظ القرآن الكريم.

الروايات بكل وضوح لم تحظى بوعد رباني بالحفظ، ومن يدعي أنَّ الله حفظ الروايات فهو كأنما يقول أنَّ الله أخلف وعده، سبحانه وتعالى علواً كبيراً. وصدق الله جل في علاه. فلا يوجد مدارس لتحفيظ الروايات ولا يوجد من يحفظ الروايات وإن ادَّعى أحدهم بوجود مدارس تحفيظ للروايات، فكم سيكون عددها وكم هو عدد من حفظ الروايات كلمةً كلمة وحرفاً حرف كما هو الحال مع حفظة القرآن؟ حتى إن وُجِد (و أشك بوجوده)، فعشرة أو مئة حافظ للروايات (إن وُجدِوا) لا يمكن مقارنتهم بعشرات (أو ربما مئات) الملايين من حفظة القرآن الذين حفظوه في الماضي وفي الحاضر على مدى 14 قرن.
---------------------------------------------------
وبالتالي الفارق الثالث بين القرآن وبين الروايات هو:
القرآن: ملايين الحُفَّاظ وملايين مدارس التحفيظ في الماضي والحاضر.
الروايات: لا نعلم بمن حفظ الروايات كلمةٍ كلمة مثل القرآن وإن وجِد فهو شيء قليل جداً ونادر.
---------------------------------------------------


في الختام، نحب التنبيه إلى بعض الأمور. أولها هو أنَّ الفروق الثلاث أعلاه هي حقائق غير قابلة للطعن، ومن يقول غير هذا فيتفضل ويثبت أنَّ أي منها غير صحيح. باب التحدي مفتوح لمن يريد أن يقدِّم أدلة تثبت عكس ما ذكرنا.
الأمر الآخر هو أننا في مرحلة تجميع المعلومات لنصل لصورة واقعية حقيقة عن الروايات غير الصورة الوردية الصنمية التي يحرص السلفيين على تمريرها لعامة المسلمين. الأمر الأهم هو أننا لا ندعو لإنكار السُّنة ولا نحارب الدين كما يدعي كل مفترٍ كذّاب، وإنما نريد أن نضع كل شيء في موضعه الصحيح. نريد أن نفهم كل الحقائق عن الروايات ثم نضع منهجية للتعامل معها ثم بعد ذلك نعرف ما يمكن أن نبني عليه رأي ودين من الروايات، وما لا يصح أن نبني عليه شيء. دعوتنا ليست لمحاربة السنة كما يحاول أن يروج المتصنمين على اتباع ما وجدوا عليه آبائهم فهم على آثارهم مقتدون. دعوتنا هي لوضع كلام الله جل في علاه في مكانه الذي يليق به ووضع كلام البشر في المكان الذي يجب أن يكون عليه، ونتوقف عن جعل الروايات الظنيَّة حاكمة على كتاب الله.

غداً بمشيئة الله عز وجل نقدِّم المقال المفصَّل لنفس الموضوع لنستمر في مشوارنا نحو #سعادة الدنيا والآخرة بإذن الله.. فتابعونا.

No comments:

Post a Comment

مفهوم علاقة الرسول بمن جاء بعده

مفهوم علاقة الرسول بمن جاء بعده   ها قد عدنا للمقالات بعد توقُّف دام لقرابة الشهرين. فقد أثَّر افتتاح قناة اليوتيوب وإعداد الحلقات...

مقالات سابقة