زواج المسلمين بغير المسلمين (المقال المختصر)

زواج المسلمين بغيرٍ المسلمين (المقال المختصَر)

اليوم بعون الله نقدم مقال مختصر عن مثال جديد من الأمثلة التي توضح طريقة استخدام وتطبيق القواعد السبع لمنهجية تدبُّر وفهم القرآن الكريم.

موضوعنا اليوم هو بخصوص قوله تعالى:
(وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)

حسب الشائع عند الناس باستنادهم إلى اجترار الفهم القديم، فإنَّ الآية تُعتبر تحريم لزواج المسلم أو المسلمة من غير المسلمين. بالطبع هذا هو الرأي العام والرسمي في البلدان الإسلامية.
فإذا سألتهم عن مسوغات تدبرهم للآية بهذا الشكل، فسيحيلونك للتفاسير القديمة بمعنى أنَّ مسلمي اليوم لم يتدبروها بأنفسهم كعادتهم مع القرآن حيث نظرية التفسير الوحيدة المتاحة لديهم هي الذهاب لأقوال الأولين وآرائهم وتبني أحدها.

.
دعونا نطبق بعض من قواعدنا السبع لمنهجية تدبر القرآن:
أ- قاعدة فهم القرآن من القرآن:
من خلال النظر في آيات الزواج سنجد قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا(23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)

ومن الواضح جداً أن الآية عددت بشكل صريح ومفصَّل النساء المحرم الزواج بهن، ولا يوجد أي فئة محرمة لأسباب عقائدية ما يبعد فكرة أنَّ المقصود من آيتنا التي ندرسها توجيه أمر تحريم عام للزواج بغير المسلمين موجَّه للمسلمين في كل مكان وزمان.

ب) قاعدة احترام السياق العمودي (السياق القريب):
بوضع السياق كامل دون اقتطاع كالآتي (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴿219﴾ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۗ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿220﴾ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿221)
من الواضح من السياق أنَّ أصحاب النبي قد وجهوا له عدَّة أسئلة، وأنه لا يعلم الإجابة، وأنَّ الله أوحى له الإجابة كما هو واضح من خلال تكرار لفظة (يسألونك) أربع مرات من الآية 215 إلى الآية 222 في السياق الذي ورد في سورة البقرة.

هذا السياق يعطي إشارة قوية بأنَّ الخطاب هنا خاص وليس عام، مما يجعلنا نستبعد فكرة أن تكون الآية التي ندرسها هي آية تحريم فضلاً عن أن تكون عامة على كل زمان ومكان.

ج) قاعدة احترام السياق الأفقي (السياق البعيد)
بالنظر لباقي آيات القرآن على طول الكتاب وعرضه سنجد أنَّ هناك آيات تتناقض مع فكرة أن تكون الآية التي ندرسها هي تحريم عام على المسلمين للزواج من غير المسلمين، فعلى سبيل المثال لو أخذنا قوله تعالى في موضع بعيد في سورة المائدة (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

بالنظر لهذه الآية، سيكون من الصعب التوفيق بين الآيتين لأنَّ آية سورة المائدة فيها تقرير صريح بجواز الزواج بنساء أهل الكتاب والذين بكل وضوح عقيدتهم هي عقيدة شركية بالنسبة للمسلمين، أي أنهم مشمولون بوصف الشرك لو أننا اعتبرنا الآية التي نحن بصدد دراستها هي عامة وليست خاصة؛ وبالتالي هذه علامة أخرى قوية على خصوصية الآية التي ندرسها على مشركين معينين ولا تعم على كل زمان ومكان.

الخلاصة هي أنَّ قوله تعالى (وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) هو خطاب موجَّه لأصحاب النبي لإبلاغهم أنه لا يجوز لهم الزواج من فئة معينة من المشركين في ذلك الزمان والمكان الذي عاش فيه النبي وأصحابه، وأنها ليست آية عامة تحرم زواج المسلمين بغير المسلمين في كل زمان ومكان.

هذا بالطبع هو المقال المختصر، وسوف نقدِّم غداً بإذن الله نفس الموضوع بتوسع أكثر وتوضيح أكبر لمن يرغب في معرفة المزيد عن الفكرة في المقال المفصَّل.. فتابعونا.

No comments:

Post a Comment

مفهوم علاقة الرسول بمن جاء بعده

مفهوم علاقة الرسول بمن جاء بعده   ها قد عدنا للمقالات بعد توقُّف دام لقرابة الشهرين. فقد أثَّر افتتاح قناة اليوتيوب وإعداد الحلقات...

مقالات سابقة