التفاعل مع تعليقات مقالي الدين والتدين والفرق بينهما
نأسف على تأخرنا عليكم بالأمس وبإذن الله سنستمر اليوم في مشوارنا مع بعض التعديلات لكي نستطيع السير معاً. فقد مر تقريباً مدة شهرين منذ أن بدأنا مشوارنا لعيش #سعادة دائمة في الدنيا والآخرة وقد أنجزنا بفضل الله الكثير.
واليوم سأتفاعل مع التعليقات والأسئلة على مقالنا الأخير بخصوص الدين والتدين والفرق بينهما. لكن قبل هذا لدي تعديل بسيط في توقيت وعدد مرات النشر خلال الأسبوع. فكما تعلمون، فأنا العبد لله ومنذ شهرين أكتب مقال وأنشره كل يوم. مع استثناء يومين أو ثلاثة لظروف السفر. إنَّ كتابة مقال يومياً هو عمل مضني جداً، خاصةً أنني أبحث وأدقق في اختيار الكلمات التي تعبر عن الفكرة كما أريدها، وأبحث وأراجع أي معلومة أضعها بين أيديكم كي أكون دقيق وصادق في كل ما أكتب.
بدون مبالغة، متوسط الوقت الذي احتاجه لكتابة المقال ونشره هو ما بين 3 إلى 4 ساعات يومياً، وهذا وقت طويل جداً ضيِّق علي قدرتي على أن أقوم بباقي واجباتي الأخرى في الحياة من عمل ورعاية أسرة وغيرها من الأمور المعقدة.
وللأمانة، أنا لم أعُد استطيع أن استمر بنفس الوتيرة لأنَّ هذا بصراحة فوق طاقتي ويتجاوز حدود مقدرتي على إدارة وقتي بشكل يجعلني أقوم بكل واجباتي المهنية والاجتماعية. ولهذا فقد قررت أن أخفف من وتيرة النشر بحيث أنشر مقال كل 3 أيام، بمعنى أن أنشر اليوم ثم أتوقف يومين، ثم أنشر في اليوم الثالث وهكذا.. بهذا المعدل سأتمكن بإذن الله من الاستمرار معكم في المشوار، وفي نفس الوقت أتمكن من القيام بواجباتي على الوجه الصحيح دون أن أقصِّر تجاه أي ٍ من مسؤولياتي.
الأمر الآخر، هذا سيفسح لي المجال أيضاً لأبدأ العمل على إنجاز مشروع قناة اليوتيوب لكي أتواصل معكم صوت وصورة، ولكي نستطيع الوصول لعقول أكبر عدد من المسلمين لكي نتغير، لكي نتطور ونترك القاع فقد لبثنا فيه أحقاباً. ويعلم الله أنَّه قد آن أوان الإقلاع عالياً.
والآن دعونا نبدأ الحديث عن موضوع اليوم وهو تفاعلنا مع تعليقات وأسئلة مقالي الدين والتدين والفرق بينهما. ومن خلال التفاعل مع المقالين المُفصَّل والمختصر، لم ألاحظ الكثير من الاعتراضات ولكن هناك بعض التساؤلات التي وردت بشكل عام. ولهذا سأعلِّق من خلال النقطتين التاليتين:
- الدين هو دين الله الواحد من أول عهد آدم عليه السلام إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فلا توجد أديان. لم تظهر كلمة أديان في المصحف على الإطلاق لأنه لا يوجد أديان لله وإنما الله لديه دين واحد.
كون البشر تفرقوا بين ملل ونحل ومذاهب فِرَق، فهذا تدين وليس دين. النصرانية التي جاء بها عيسى عليه السلام، والإسلام الذي جاء به محمد عليه السلام هما من ناحية الدين يعتبران واحد. ومن ناحية التدين يعتبران ملَّتان. فأتباع سيدنا عيسى الذين اتبعوه بحق، وأتباع سيدنا محمد الذين اتبعوه بحق، كلهم على دين الله الواحد و كلٌ منهم كان تدينه مختلف. فتفاصيل تطبيق ما ترتب عليه تصديق عيسى عليه السلام، تختلف عن تفاصيل تصديق محمد عليه السلام لاختلاف الزمان والمكان والذين سيؤثران بدورهما في تفاصيل التطبيق والذي هو التدين.
ولتكون الأمور أوضح، هذا ليس اختراع من عندي، ولا أنا اجتهدت في الوصول إليه، بل هذا ما يقوله فقهاء السلف والخلف وقبل كل هؤلاء هذا ما يقوله القرآن. فعيسى عليه السلام جاء بتفاصيل دين لبني إسرائيل تختلف عن التفاصيل الذي أتاهم بها موسى عليه السلام. والآيات في هذا المجال كثيرة ولا يتسع المجال لذكرها كلها هنا ولكن سنذكر قوله تعالى على لسان عيسى عليه السلام (وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) .... وكذلك خطاب الله لبني إسرائيل عن أنَّ نبينا محمد صلى الله عليه وسلَّم جاء بتشريعات جديدة تحل لهم ما حُرم عليهم وتضع عنهم كثير من التكليفات التي كلفوا بها في إطار التدين في قوله تعالى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
أي أنَّ الدين هو الكليات والمبادئ الأساسية وهو ثابت في دين الله في كل عصر وحين ومع كل نبي ورسول. بينما التفاصيل المترتبة على الإيمان بكل رسول أو نبي تختلف من زمن لزمن، ومن رسول لرسول، وهي خاضعة للتغير وليست ثوابت.
- عندما نقول أنَّ النبي اجتهد في التفاصيل، نقصد به أنَّ طريقة اختياره لآداء التفاصيل هي ليست وحي، وإنما اجتهاد النبي. واجتهاد النبي يظل هو الأفضل والأولى بالاتباع إلى أن تتغير الظروف ويضطر جيل معين من تقديم اجتهاد جديد كما حصل مع الحج. فمنذ عصر فقهاء السلف خاصة الأربعة الكبار، وأركان الحج وواجباته وشروط صحته تختلف بين المالكي والشافعي والحنفي والحنبلي. فعلى سبيل المثال المذاهب السنية الأربعة تختلف في هل الإحرام ركن من أركان الحج أم لا، فما بالك بالفروق بين السُّنة والشيعة. وبالانتقال للصلاة سنجد نفس القصة، فكل مذاهب التيار السني لا تتفق حتى على أركان الصلاة وما يصح بها وما لا يصح، والفروق بطبيعة الحال مع التيار الشيعي مقارنة بالفقه السني هي أكبر وأشد.
وبالتالي لا أعرف لماذا من لم يطلع على فقه الأولين وليس له الدراية الكافية والإطلاع اللازم، لماذا يعترضون حتى وهم لا يعلمون. لا أريد أن أحوِّل المقال إلى جريدة مقارنة بين الاختلافات بين كل المذاهب والفِرَق في الأركان وليس فقط السنن والفروع لكي اقنع المعترضين بأنَّ ما يعتقدونه من أن هناك هيئة محددة لصلاة وحج وعبادات النبي هو مجرد وهم.
ليذهب المعارضين لكتب الفقهاء ويتعلموا قبل أن يعترضوا. لماذا لا يقرأون ولا يتعلمون ثم بعد ذلك يعترضون؟ لو كانت تفاصيل التطبيق والتي هي التدين وحي وشيء ثابت لا يتغير أرد الله أن يؤديه المسلمين بطريقة محددة وصارمة، لكانت وردت هذه التفاصيل في القرآن أو حفظ الله لنا التفاصيل التي أوحاها لنبيه ووصلتنا بشكل قاطع ثابت وأداها كل جيل بنفس ذات الطريقة التي أوحاها لنبيه عليه السلام. لكن الله جل في علاه لم يفعل لأنه لم يوحي لنبيه التفاصيل وإنما تركه يجتهد فيها.. وهو ما فهمه فقهاء السلف عليهم رحمة الله، ولهذا سمحوا لأنفسهم بالاجتهاد واختلفوا في اجتهاداتهم، ولم يكفر أحدهم الآخرين لأنهم خالفوه. فهم يرون الموضوع بأنَّه مفتوح للاجتهاد وأنَّ النبي اجتهد ولهذا من اجتهد لم يخالف وحياً ولا فرضاً فتقبل كل فريق فكرة اختلاف بقية المذاهب عن مذهبه. اذهبوا واقرأوا حجم الاختلاف لكي تعرفوا أنَّ تفاصيل التدين لا يمكن أن تكون وحي ولا إلهام ولا أي شيء مما يكون ملزماً لا يصح الاجتهاد فيه.
نكتفي بهذا القدر على أن نلتقي بإذن الله في مقالنا القادم والذي سيكون بعد يومين من التوقف بإذن الله وسنقف فيه وقفة مراجعة لما أنجزناه بخصوص المعلومات والحقائق التي تدارسناها لتساعدنا على وضع قواعد منهجية للتعامل مع الروايات. طريقنا طويل ولهذا لابد من وقفات المراجعة كي لا نتوه وسط التفاصيل، وتظل أعيننا موجهة نحو الوجهة. نحو #السعادة بإذن الله.. فتابعونا.
No comments:
Post a Comment