هل المرأة نصف الرجل أم هي ثقافة ألصقوها بالدين (المقال المفصَّل)
قبل أن أدخل على موضوع اليوم, أحب أن أتحدث عن أمرين بشكل عاجل.
- الأمر الأول هو توضيح مخططي في النشر للفترة القادمة بإذن الله، فقد انقطع عن النشر لليومين (ربما ثلاثة) القادمين حسب ظروف السفر الذي سأكون عليه من الغد إلى يوم الأربعاء بإذن الله. ثم بعدها قد استمر في تقديم بعض الأمثلة على تطبيق قواعدنا السبع لمنهجية تدبُّر وفهم القرآن الكريم.
وعلى الأغلب سنبدأ في منتصف الأسبوع القادم بإذن الله في وضع قواعد لمنهجية التعامل مع الروايات وآراء الفقهاء والتي ظهرت ودوِّنت كتب معظمهم في القرون الثلاث أو الأربع الأولى بعد وفاة النبي عليه السلام.
- الأمر الثاني هو أنني في حيرة من أمري بين مطالبين لي بالاختصار وترك التقديم و التمهيد لكل فكرة أقدمها، وبين المطالبين بالمزيد من التوضيح والمزيد من الأمثلة. إنني أحترم وجهتي النظر، وأعرف أنَّ كلا الطرفين محق فيما يطلب، فهناك من تبحَّر ولديه معرفة كبيرة أو تخصصية فيما أنشر، وبالتالي هم ينتظرون الخلاصة والجديد دون تمهيد لأنهم لا يحتاجونه، بينما في ظني أنَّ الأغلبية هم من الذين لم تتح لهم فرصة الاطلاع الواسع والتخصص ولديهم تخصصات أخرى واهتمامات أخرى في الحياة، هؤلاء يبحثون عن تمهيد وتقديم وتسهيل وتيسير للأفكار المطروحة كي تتم الفائدة كونهم غير مختصين ولم يكن لهم سابق دراسة.
وحسب اجتهادي المتواضع فإنَّ الحل سيكون بكتابة مقالات بها تمهيد وتقديم وأمثلة بشكل كافي (مقالات طويلة)، ومقال مختصر يضع الفكرة ومسوغاتها مع الاستنتاج في إطار مختصر. فمن وصلته الفكرة بوضوح من خلال المقال المختصر فقد حدث مُراده ومُرادِي من مشاركة الفكرة، ومن أراد الاستزادة فسيكون المقال المطول بالتمهيد متاح للجميع. أظن أنَّ هذا سيحل المشكلة، وسأبدأ في هذه الاستراتيجية من اليوم بإذن الله بحيث أنَّ هذا المقال سيكون هو المقال الطويل وسألحِقه بالمقال المختصر بعد دقائق لكي أحقق رغبة الطرفين. وعلى المتابعين الأفاضل الذين يرغبون في الوصول للمقال المختصر الانتباه إلى أنَّ المقالات المختصرة تحتاج منهم زيارة الصفحة للوصول إليها لأنها لن تصلهم بنفس طريقة وصول المقالات الطويلة المفصَّلة.
والآن دعونا نستمر في مشوارنا في استخدام قواعد منهجية تدبُّر القرآن السبع. اليوم سأتناول مسألة سهلة ولكنها شائكة، واضحة لكن لا يراها إلا القليل يعتبرها اتباع التراث والتقليد الأعمى من أسس الدين، وهي في كتاب الله غير ذلك بالكلية.
النص القرآني الذي سنتناوله اليوم يعتبر مثال جيد للقواعد السبع خاصة القاعدة السادسة والسابعة والثانية والثالثة.
مسألة اليوم هي فهم وتدبُّر نص قرآني جاء ضمن أطول آية في القرآن الكريم وهي قوله تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) الكل يعرف أنَّ هذا النص يشكل عند فقهاء التراث ومن يقلدهم اليوم مسألة تشريعية محسومة لا جدال فيها، وأنه يجب علينا أن نقول سمعاً وطاعةً للفقهاء دون بحث أو تدقيق. ففي شريعة المقلدين لا يجوز استخدام العقل في الدين، على العموم من أشهر القضايا التي تم إساءة فهمها هي موضوع شهادة "رجل و امرأتان". فبتعميم هذه الحالة الخاصة جداً، صارت الآية تُستخدم لاتهام النساء بأنهن ناقصات عقل، وأنه لا يحق لهن الشهادة، وأنها نصف الرجل وكل ما سُوق له ضمن الفهم التراثي الذكوري والذي تم إلصاقه للأسف بدين الله وهو سبحانه وتعالى منه براء.
المهم لا أريد أن أطنب في توصيف اللامنطق في تفكير المقلدين المتمسكين بما وجدوا عليه آبائهم، ودعونا ندخل على الآية كاملة، فقد قال الله تعالى في سورة البقرة الآية 282:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
سأناقش الأمر عن طريق توضيحه في نقاط كالتالي:
النقطة الأولى:
الآية تتحدث عن كتابة الدين وتقترح جميع الطرق لحفظ الحقوق عند التداين، وتشجع طرفي الاستدانة على تدوينه. فالآية لا تضع عقوبة ولا حتى تتوعد من لا يأخذ بالنصيحة بكتابة الدين بأي عقوبة. والغالبية العظمى من عمليات التداين لا يتبع أصحابها هذه النصيحة ابتعاداً عن تعقيد الأمور خاصة في حالات الثقة المتبادلة. ففي كثير من الأحيان يستدين منك صديق أو جار أو قريب أو حتى من لا تعرفه مبلغ عشر جنيهات أو 20 جنيهاً، ويعدك بردَّها ولا تجد نفسك مضطر لكتابة هذا الدين لصغر المبلغ مع أنَّ الآية لم تضع حد أدنى ولا أعلى للكتابة والإشهاد، وبل شجعت على الكتابة والإشهاد مهما كان الدين صغير.
ما أودُّ قوله هو أنَّ الأمر كله توصية إلهية تساعدنا على حفظ الحقوق وليست حكم شرعي يعاقب الله عز وجل من يخالفه. فليس كلٌ منا عندما يأتيه صديقه ليستلف منه 10 جنيهات يقول له ائتني بورقة وشاهدين. لا يوجد في الأولين ولا في الآخرين من يقول بأن عدم كتابة الدين والإشهاد عليه يعتبر مخالفة لحد من حدود الله وتعدِّي على شرعه. لا يوجد أحد يقول بهذا. وحتى عملياً فكل الناس تتداين دون كتابة ولا شهود خاصة في الأرقام الصغيرة التي قالت الآية بصراحة أنه يجب ألا نسئم من كتابتها.
وبالتالي، وبما أنَّ الآية ليست ملزمة في الكتابة أو الإشهاد، فكيف بالله عليكم تكون شهادة رجل مع امرأتين هي الشيء الوحيد الملزم. كيف تكون كل تفاصيل الآية الأطول في القرآن غير ملزمة وبقدرة قادر صار رجل وامرأتان هو الشيء الوحيد الملزم.
خلاصة النقطة الأولى هي أنَّ الآية كلها من أولها لأخرها مهتمة بشيء واحد ووحيد وهو حفظ الحقوق عند التداين. وبالتالي وبما أنَّ الموضوع الأصلي للآية نفسه والذي هو حفظ الحقوق بالكتابة غير ملزم، فكيف ستكون التفاصيل ملزمة؟ ما أريد قوله هو أنَّ الحكمة من كامل الآية هي إيجاد طريقة لحفظ الحقوق بغض النظر عن التفاصيل والتي كانت تتحدث عن الحد الأدنى الذي كان يخاطب الواقع في جزيرة العرب في ذلك الوقت. أي أنه، وبما أنَّ الكتابة غير مُلْزِمة، فلا شك أنَّ التفاصيل نفسها غير ملزمة ومتروكة لكلٍ أهل زمان ومكان لتحديد ما يحتاجونه لضمان حفظ حقوق الأطراف الداخلة في عملية تداين.
النقطة الثانية:
وهنا نأتي للنقطة الأهم وربما الحاسمة. فبالبناء على النقطة السابقة، يمكن القول أنَّ هذه التفاصيل تخص أهل ذلك الزمان فقط. فكما تبين لنا من النقطة السابقة، فإنَّ الآية كلها عبارة عن توصيات غير ملزمة بكتابة أي عملية تداين والإشهاد عليها، ما يعني أنَّ التفاصيل نفسها غير ملزمة، وبما أنَّ الآية تخاطب المؤمنين في كل زمان حسب ظاهرها، إلا أنَّ تفاصيلها تدل على أنها تخاطب الناس زمن نزول الآية. فالآية تحدثت عن رجلين ولكن ليس هناك مانع من أن يكونوا 3 أو حتى 100. ماذا لو استشهدنا 5 رجال بدل اثنين، أليس هذا مخالف لنص الآية التي قالت صراحة استشهدوا رجلين؟ بالطبع يمكن أن نُشهد حتى 100 رجل فالتفاصيل المقدمة في الآية هي توصيات غير إلزامية والملزم الوحيد هو اتخاذ ما يلزم لحفظ الحقوق. وكذلك تتحدث الآية عن امرأتان، وبالتأكيد لا مانع من أن يكن مجموعة من النساء. وكذلك كتابة الدين اليوم تتطلب إجراءات أكثر تعقيداً وأختام ومحاميين وشهود ومحكمة وتعقيدات أخرى إضافية. التعقيد يعود لتراكم المعرفة ولتطور الحياة بشكل كبير، فهي لم تعد تلك الحياة البدائية البسيطة التي كان يعيشها الناس وقت نزول القرآن. وبالتالي نستنتج من هذا وبكل سهولة أنَّ الإجراءات التي وردت في هذه الآية ما هي إلا الحد الأدنى من عملية كتابة الدين والإشهاد عليه. فمن الواضح أنَّ إشهاد رجل واحد يعتبر أمر غير كافي لتحقيق الهدف، بينما إشهاد 100 رجل بكل تأكيد يعتبر أكثر ضمانة من إشهاد رجلين كما قالت الآية، أي أنَّ الآية تقدم الحد الأدنى فقط ولا تقدِّم تفاصيل ملزمة.
والحد الأدنى هنا ليس مرتبط بالإجراءات فقط، وإنما مرتبط بأدنى عقلية وأدنى مستوى إنساني تخاطبه الآية. فبطبيعة المعرفة والقيم المتراكمة عبر الزمان، فإنَّ الحد الأدنى من المستوى الإنساني المخاطب بالآية هم أهل زمان النزول لأنَّ كل من يأتي بعدهم سيكون أفضل منهم علمياً وقيمياً بفعل التراكم. ولهذا فالتفاصيل لابد أن تناسبهم ولا تتجاوزهم لأنَّ الله لن يكلفهم فوق طاقتهم وفوق المستوى المعرفي والقيمي الذي وصلوا إليه ولأنهم هم الحد الأدنى. وهنا نصل لقرينة تثبت ما أرمي إليه. فالله عندما قال ( فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) وهنا ذكر الله الحالات التي يكون من عليه الحق ضعيف أو مريض مرض عقلي يجعله بحاجة لوصي يدبر له أموره. وهنا تكمن القرينة. فضعف الذي عليه الحق لم يعني أنه ناقص الإنسانية، وإنما تحيط به ظروف فرضت عليه حالة الضعف التي لا يمكن أن يكون فيها قيّماً على نفسه ويحتاج معها لولي ووصي. الضعف الاجتماعي أو الضعف العقلي لا يجعل من هذا الإنسان ناقص في إنسانيته ولا هي نقيصة فيه، فقد يتغير الوضع وتتبدل الأحوال ويصبح الضعيف قوياً والقوي ضعيفاً ويُشفى المريض أو يعقل من كان في عقله ضعيف. أي أنَّ الآية تتحدث عن ظروف وليس عن خِلقة خلقها الله هكذا.
وسبحان الله. فقد تبع قوله تعالى ( فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) تبع قوله تعالى مباشرةً قوله (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ) فنجد هنا أنَّ الآية تسترسل في وصف الوضع القائم والذي كان هو الحد الأدنى في كل شيء. فقد قال الله "استشهدوا شهيدين من رجالكم" وبالطبع لا مانع من أن يكونوا 3 أو 4. لماذا لم يسأل أحدهم نفسه، لماذا يجب أنَّ يشهد رجلين وليس رجل واحد؟ هل نستنتج من ذلك أنَّ الرجال ناقصون؟ أم ماذا نستنتج من الحاجة لرجلين بدل أن يكون رجل واحد كافي؟ لا يقل لي أحد أنَّ رجل ممكن أن يكذب ولكن رجلين لا يكذبان. فالرجلين يكذبان أيضاً وقد يجتمع على الكذب مئات أو حتى آلاف الرجال. ما منع الشهادة أنَّ تكفي بوجود رجل واحد هو نفس ما منع الشهادة أن تقوم بامرأة واحدة. أن يضل أحدهما فيذكر أحدهما الآخر. الكلام ليس من عندي، وإنما هذا ما قالته الآية. كلام الله مختصر ومفيد و بجملة واحدة ( أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ) أوضح الله العلة في طلب أكثر من شاهد. بهذه الصياغة لم نعد بحاجة لأن نقول مثلاً (واستشهدوا شهيدين من رجالكم أن يضل احدهما فيذكر أحدهما الآخر, فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى). البلاغة القرآنية تقتضي ذلك.
الأمر الأهم هو أنَّ الآية تخاطب مجتمعات إنسانية في أزمنة متفاوتة، وتضع تفاصيل، فلا يمكن أن تتجاوز هذه التفاصيل الحد الأدنى لتكون قابلة للتطبيق. والحد الأدنى كما ذكرنا هو مجتمع قريش ومن حولها لأنهم الجيل الأول المخاطب والأكثر بدائية وبساطة من المجتمعات التي ستأتي بعده. هذه الخصوصية في الإجراءات المطلوبة لحفظ الحقوق في حال التداين، هذه الخصوصية حصلت لسبب جوهري وهو أنَّ هناك تفاصيل تطبيقية في الإجراءات لا يمكن أن تتجاوز الحد الأدنى. فلا يمكن تخيل أن تنزل الآية بشكل يخاطبنا نحن بحيث تقول (إذا تداينتم بدين فوكّلوا محاميين وخذوا شيكات بنكية واذهبوا لأقرب محكمة وسجلوا عقد التداين، وليأخذ كل منكم صورة طبق الأصل مختومة من قلم المحكمة ولا بأس من أخذ صور بنقالاتكم لكن لا تعتمدوا عليها كثيراً لوجود برامج فوتوشوب قد يتم استعمالها لتزوير قيمة الدين، واتقوا الله، و يعلمكم الله، والله بكل شيء عليم )
هل يُعقل أن يعطي الله تفاصيل الإجراءات التي تناسب زماننا نحن ونفهمها نحن ونستطيع أن نطبقها نحن؟ أم أنَّ المنطق يقول أنَّ إجراءات كتابة الدين ستكون على الحد الأدنى الذي تستطيع قريش فهمه وتطبيقه فهم لا يعرفون محاميين ولا قضاة ولا آلات تصوير ولا تلفونات بكاميرات ولا فوتوشوب؟
الأمر الأخير هو وبما أنَّ الإجراءات جاءت مناسبة لقدرة وفِهم الحد الأدنى وهم قريش، فقريش ومن حولها يعيشون في مجتمع ذكوري يحصر الشرف والكرامة في فرج المرأة. لدرجة أنَّ الشعور بالعار من وجود الأنثى يدفع أب لدفن ابنته وهي حية كي لا تجلب له العار. فالرجال لا يتعاملون مع النساء في غير المتعة الجنسية، أمَّا في ما عدا ذلك فلا يعرف الرجال النساء، ولذلك، نحن أمام 4 حالات من الحد الأدنى.
1- إما أن يكون الشهود رجلين أن يضل احدهما فيذكر أحدهما الآخر.
2- وإما أن يكونا امرأتين أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى .
3- وإما أن يكونا رجل وامرأة أن يضل أحدهما فيذكر أحدهما الآخر.
4- وإما أن يكونوا رجل وامرأتان أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى
وهنا نلاحظ أنَّ الخيار الأول عملي ويتوافق مع العرب ولا مشكلة في تطبيقه بالنسبة لهم. أمَّا الخيار الثاني فهو غير عملي لأنَّ مجتمع ذلك الزمان كان يستسيغ حتى شراء وبيع الإنسان كسلعة والمرأة عندهم مجرد كم مهمل وهم حديثي عهد بالثورة القرآنية التي جاءتهم بمبادئ إنسانية جديدة؛ وبالتالي لا يمكن للعقلية العربية في حينه تقُّبل أن تحدد امرأتان حقوق غيرهما سواء بشهادة أو بقضاء أو غيره.
أما الحالة الثالثة فهي أيضاً لا تناسب مجتمع العرب الذكوري المتخلف الذي يرى أن تعامل الرجل والمرأة في أي شأن لابد وأن يكون الجنس ثالثهما، وبالتالي سيلحق بأهل تلك المرأة العار لأنها تتعامل مع الرجال. وهنا لم يبقى سوى الخيار الرابع الممكن تطبيقه على مجتمع الحد الأدنى وهو رجل وامرأتان. فالرجل لن يحتك بالنساء رغم أنه إن ضل فلن يجد رجل يذكره، بينما تكفي شهادة المرأتين لأنه إن ضلت إحداهما ستذكر إحداهما الأخرى، وما وجود الرجل إلا لأنَّ عقلية مجتمع الحد الأدنى لن تتقبل شهادة المرأتين دون أن يكون قد شهد مثلهما رجل. وطبعاً لا غرابة في مجتمع يتقبل دفن طفل بالحياة لا لشيء إلا لأنه جاء أنثى، لا غرابة لمجتمع كهذا ألا يتقبل شهادة الأنثى.
الخلاصة هي أنَّ آيات التداين نفسها ليست ملزمة، وإنما هي مجرد توصيات وواقع المسلمين خير دليل، مما يعني أنَّ شهادة الرجل والمرأتان لا يمكن أن يكونا حكم ولا هو شيء ينطبق على باقي الشهادات أو القادم من الأزمنة. فتفاصيل كتابة الدين جاءت مناسبة لمجتمع الحد الأدنى كي يتم تطبيقها لمن أراد. أمَّا من يأتي بعد هذا الجيل فلهم روح الآيات وليس تفاصيلها. فلجيلنا على سبيل المثال أن يتخذوا ما يرونه من إجراءات تحفظ الحقوق عند التداين، وهو ما نقوم به بالفعل. فمن يعطي شخص أخر مال على سبيل الاستدانة قد يكفيه أن يأخذ شيك من بنك المستدين بقيمة المبلغ ليتحقق مفهوم الآية وهو ضمان وحفظ الحقوق حتى بدون شهود.
بهذا الفهم المنطقي المتوافق مع السياقات القرآنية طولاً وعرضاً، بهذا الفهم يمكن إزالة اللبس الذي أوقعنا فيه المقلدون بفهمهم السقيم ونعرف حينها كيف نرد على من يتهم الإسلام بإهانة المرأة وبأنها عند الله تساوي نصف الرجل في حين أنها مثلها مثل الرجل ولا تقل قيمتها إلا في المجتمعات المريضة والمتخلفة والعقليات التراثية المتحجِّرة.
نسأل الله أن يرزقنا جميعاً #السعادة الدائمة التي أتاحها لنا جميعاً بوضع قواعدها التي لا ينالها إلا من سعى.. فتابعونا.
No comments:
Post a Comment