الفرق بين طريقة وصول القرآن وطريقة وصول الروايات (المقال المُفصّل)
حسب مخططنا للنشر، فاليوم سنقدم المقال المفُصَّل لموضوع الأمس، وهو الفرق بين الطريقة التي وصول بها القرآن إلينا، وبين الطريقة التي وصلت بها الروايات. وقبل أن نبدأ في تناول عناصر الموضوع، أجدني كالمعتاد احتاج للتذكير بعدة أمور منها:
# نحن في مرحلة تجميع المعلومات الدقيقة غير القابلة للطعن؛ لنحصل على أساس متين عند مناقشتنا وضع قواعد منهجية للتعامل مع الروايات. أي أننا في هذه المرحلة لا نقدم مناقشة أو آراء، وإنما نقدم حقائق ومسلَّمات، ولذلك، لا يستطيع المعترضين تقديم أي دليل يثبت عدم صحة المسلَّمات التي جمعنا بعضها هنا؛ لأنها ببساطة مسلَّمات لا يختلف عليها أحد أصلاً، وهم أنفسهم مقتنعون بها ولكنهم يكابرون؛ لأنهم يفترضون الافتراض السخيف بأنني أحارب الدين وهم يدافعون عنه!
# المعترضون لم يقدموا شيء علمي يثبت بطلان المسلَّمات التي ذكرنها في المقال المختصر، وإنما كعادتهم لا يقرأون و إذا قرأوا لا يفهمون. فهم مثلاً يعرفون أنَّ هناك ملايين تحفظ كل القرآن مقابل صفر يحفظون كل الروايات، لكن لم يستطيعوا الصبر ليروا ماذا نريد أن نقول لاحقاً، فقفزوا قفزة بهلوانية في الهواء حولتهم إلى آلهة تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وصاروا يعلمون الغيب وأخفى.
كل ما فعلوه هو أنهم دخلوا قلبي وعرفوا مخططي لهدم الإسلام ومحاربة الدين! لَكَمْ أشفق عليهم يوم الحساب من وراء هذه الفرية.
# أعيد للمرة التي لا أعرف عددها. نحن لا ندعو لترك الروايات وإنما لوضعها الموضع الذي تليق به، واستخدامها الاستخدام الصحيح لأنَّ الجميع يعلم، والبعض يتظاهر بأنه لا يعلم، بأنَّ الروايات أصلاً يختلف فيها فقهاء السلف قبل غيرهم وكل مذهب له روايات يراها صحيحة، والمذهب المخالف يراها ضعيفة.
هل يختلف أي من المسلمين على صحة آية من آيات القرآن الـ 6236 ويقول بعضهم تثبت ويقول الآخرين لا تثبت؟
بكل تأكيد لا
لكن هل يختلف المسلمين على الروايات يقول بعضهم على بعض الروايات تثبت ويقول الآخرين بعكس ذلك؟
بكل تأكيد نعم
إذاً هناك فرق بين القرآن والروايات وهذا ما نحن بصدد العمل على فهمه. إننا نريد أن نضع قواعد منهجية للتعامل مع الروايات؛ لكي لا نقع في التفرقة والتمذهب الذي فرقنا منذ عهد الفقهاء الأولين مالك وأبو حنيفة الشافعي وغيرهم.
والآن دعونا نقدِّم المسلَّمات التي يعرفها الجميع، وليست أفكار خارقة ادَّعي أنا أو غيري أننا اكتشفناها. الفروق الثلاث التالية بين طريقة وصول القرآن وطريقة وصول الروايات هي مسلَّمات، حقائق، معلومات غير قابلة للطعن أو التشكيك. ولذلك لم يجرؤ أي معترض من الذين لا يقرأون أو يقرأون ولا يفهمون، لم يجرأ على تقديم أي شيء علمي يثبت به بطلان هذه المسلمات التالية:
أ) القرآن نقله حي عن حي
بالتأكيد لم يسمع أحد سند لرواية أي آية من آيات القرآن الـ 6236. لا يوجد سند ولا سلسلة عنعنة عن فلان عن فلان عن فلان. والسبب هو أنَّ سلسلة نقل القرآن لنا لا يوجد من بينها حي يروي نقلاً عن رواية ميت كما هو الحال مع الروايات التي تعد بعشرات الآلاف من الروايات. هذه الروايات كلها روايةٍ رواية يوجد في سلسلتها حي يروي عن أموات لم يسمع منهم حيٌ مدون.
وللتوضيح لا يوجد انقطاع في وصول كل آيات القرآن لنا (6236 آية) كلها آيةٍ آية تم تدوينها، كتابتها، ووضعها في كتاب من نفس الأشخاص الذين سمعوها من النبي نفسه عليه السلام. عند كتابة القرآن في مصحف في عهد عثمان تم تدوين (6236 آية) من أشخاص سمعوها مباشرة من الرسول صلى الله عليه وسلَّم، مما يعني أنَّ كل آية من آيات القرآن آيةٍ آية كلها على بكرة أبيها دونت من حي سمع من النبي وهو حي. إنها بهذه البساطة.
أما الروايات الموجودة في أشهر وأهم كتب الروايات التي نتعامل معها، والتي تُعدُّ بعشرات آلاف الروايات ولا أحد حتى يعرف عددها بالضبط (رغم أن الكتب موجودة) هذه الروايات كلها، روايةٍ رواية، حديثٍ حديث.. كلها على بكرة أبيها تم تدوينها من رواية شخص حي. هذا الحي قدَّم للمدون (البخاري مثلاً) روايته هو عمَّا سمعه من أشخاص قد فارقوا الحياة، أي أنَّ البخاري لا يستطيع أن يذهب ويسأل الشخص الميت الذي روى عنه الحي لأنه مات.
البخاري (كمثال) عندما يدون رواية فإنه يدون شيء لم يسمعه هو شخصياً عن رسول الله ولا سمعه الراوي عن رسول الله و إنما أدعى أنه سمعه من شخص ميت لا يمكن الوصول إليه لنتأكد من صدق الراوي الحي، أي أنه بالمختصر المفيد هناك ظن ولا يوجد يقين خاصة أن 99% من الروايات هي أفراد آحاد يروون عن أفراد آحاد و ليس جمع عن جمع كما هو الحال مع القرآن.
الخلاصة هي أنَّ القرآن دوَّنه من سمع عن رسول الله مباشرةً، والروايات دوًّنها من سمع راوي حي يروي عن سلسلة من الأموات وهو السبب الرئيسي وراء أنَّ كل الروايات روايةٍ رواية، حديثٍ حديث، كلها على بكرة أبيها ظنيَّة الثبوت، أي نظن أنَّ النبي قالها.
---------------------------------------------------
وبالتالي الفرق الأول بين القرآن بين الروايات هو:
القرآن: هو رواية حي عن حي، عن حي، عن حي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الروايات: هي رواية حي عن ميت، عن ميت، عن ميت، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
---------------------------------------------------
ب) القرآن جمعه نفس الجيل الذي سمعه
بخلاف الروايات التي حصل في تدوينها انقطاع، مما جعل كل الروايات على بكرة أبيها بدون استثناء تحوي أموات في سلسلة رواتها، فإنَّ القرآن على النقيض تماماً. القرآن نزل من السماء على قلب نبينا محمد عليه السلام، والذي بدوره تلاه على أصحابه، فقام أصحابه بتدوينه بأمر منه صلى الله عليه وسلم وقت نزوله، أي أنَّ القرآن تم تدوينه في نفس لحظة سماعه للمرة الأولى، ثم قام أبو بكر بجمع تلك المدونات، ثم قام عثمان بوضع كل تلك المدونات في مصحف واحد، أي أن نفس الأحياء الذين سمعوا القرآن وهو ينزل. نفس الجيل الذي نزل عليه القرآن لم يمت إلا والقرآن مجموع ومدوَّن في مصحف، أي أنَّ الجيل الذي نزل عليه القرآن سلّم القرآن للجيل الثاني في كتاب المصحف وبدأت بعدها عملية تسليمها من جيل لجيل حتى وصل لنا.
الروايات كما ذكرنا بالأمس لم يتم جمعها ولا تدوينها إلا بعد قرنين من الزمن. قرنين يعني 200 سنة انقطاع بين زمن حدوث حادثة الرواية وبين زمن تدوينها في كتب.
وهنا يظهر بجلاء الفرق الشاسع بين طريقة وصول القرآن، وطريقة وصول الروايات. فالقرآن جمعه ودوَّنه نفس الجيل الذي سمعه من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينما الروايات تم جمعها وتدوينها بعد قرووون من وفاة رسول الله. ولهذا السبب فإنَّ القرآن قطعي الثبوت لا يدخل عليه الظن والشك. ليس لأنه نُقل من جموع لجموع، بل لأنه لا يوجد أي انقطاع زمني بين نقل أي جمع للجمع الذين يلوهم. وبالطبع كل فقهاء السلف والخلف يقرون ويعترفون بأنَّ الروايات كلها ظنية الثبوت. وظنية الثبوت تعني أنَّ الفقهاء أنفسهم لا يجزمون أنَّ رسول الله قال الروايات وإنما هي عندهم على أغلب الظن. ولذلك، هناك حديث يصححونه وآخر يضعفونه حسب قواعد منهجيتهم للتعامل مع الروايات. ولهذا كل فقهاء السلف لم يتفقوا على الروايات وصحح بعضهم ما ضعفه غيرهم والعكس بالعكس.
ولأنَّ الروايات يرويها آحاد عن آحاد، فكثير من فقهاء السلف لم يسمعوا بكثير من الروايات. ووصل بعض الروايات لفقهاء لم تصل لباقي الفقهاء. ولهذا اختلفوا في المنهج والمذهب.
---------------------------------------------------
وبالتالي الفرق الثاني بين القرآن وبين الروايات هو:
وبالتالي الفرق الثاني بين القرآن وبين الروايات هو:
القرآن: الفارق الزمني بين زمن نزول القرآن وبين زمن تدوينه يساوي صفر.
الروايات: الفارق الزمني بين زمن حدوث الرواية وبين زمن تدوينها يساوي 200 سنة.
---------------------------------------------------
ج) القرآن تعهد الله بحفظه
تعهد الله بحفظ القرآن بقوله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وبالفعل انتشر وينتشر بين أيدي مليارات المسلمين مليارات النسخ من القرآن الكريم في كل منها 114 سورة موزعة على حوالي 600 صفحة تحوي 6236 آية كلها بنفس الترتيب آيةٍ آية منذ أول مصحف كتبه الجيل الأول إلى يومنا هذا. وصدق الله وعده وبالفعل تم حفظ القرآن الكريم.
ومن الطرق التي أدت لحماية القرآن الكريم من العبث والتحريف والزيادة والنقصان، هو أنه ومنذ بداية الجيل الأول حفظ القرآن في قلوبهم كلمةٍ كلمة وحرفٍ حرف جموع من الناس. وبالتالي مئات من الجيل الأول حفَّظوا آلاف من الجيل الثاني، وآلاف من الجيل الثاني حفَّظوا آلاف من الجيل الثالث وهكذا دواليك، حتى صار حفظة القرآن آيةٍ أية (6236 آية) يُعدون بالملايين. فمن ضِمن طرق وصول القرآن إلينا أنه على طول تاريخ الإسلام انتشرت مدارس متخصصة فقط في حفظ وتحفيظ القرآن الكريم.
الروايات بكل وضوح لم تحظى بوعد رباني بالحفظ، ومن يدعي أنَّ الله حفظ الروايات فهو كأنما يقول أنَّ الله أخلف وعده، سبحانه وتعالى علواً كبيراً. وصدق الله جل في علاه. فلا يوجد مدارس لتحفيظ الروايات ولا يوجد من يحفظ الروايات وإن ادَّعى أحدهم بوجود مدارس تحفيظ للروايات، فكم سيكون عددها وكم هو عدد من حفظ الروايات كلمةً كلمة وحرفاً حرف كما هو الحال مع حفظة القرآن؟ حتى إن وُجِد (و أشك بوجوده)، فعشرة أو مئة حافظ للروايات (إن وُجدِوا) لا يمكن مقارنتهم بعشرات (أو ربما مئات) الملايين من حفظة القرآن الذين حفظوه في الماضي وفي الحاضر على مدى 14 قرن.
الروايات بكل وضوح لم تحظى بوعد رباني بالحفظ، ومن يدعي أنَّ الله حفظ الروايات فهو كأنما يقول أنَّ الله أخلف وعده، سبحانه وتعالى علواً كبيراً. وصدق الله جل في علاه. فلا يوجد مدارس لتحفيظ الروايات ولا يوجد من يحفظ الروايات وإن ادَّعى أحدهم بوجود مدارس تحفيظ للروايات، فكم سيكون عددها وكم هو عدد من حفظ الروايات كلمةً كلمة وحرفاً حرف كما هو الحال مع حفظة القرآن؟ حتى إن وُجِد (و أشك بوجوده)، فعشرة أو مئة حافظ للروايات (إن وُجدِوا) لا يمكن مقارنتهم بعشرات (أو ربما مئات) الملايين من حفظة القرآن الذين حفظوه في الماضي وفي الحاضر على مدى 14 قرن.
لا أفهم كيف يساوي البعض بين آيات القرآن الـ 6236 وعشرات آلاف الروايات! بصراحة الأمر غير معقول ولا يمكن تفسيره إلا بأنَّ من يساوي بينهما إنما يدفعه التعصب والتقليد والسير على ما وجد عليه أبائه فقط لا غير.
كيف نساوي بين القرآن الذي يحفظه ملايين على طول تاريخ الإسلام، وتُفتح له ملايين مدارس تحفيظ القرآن على مر العصور، وبين روايات لم نسمع على الإطلاق بأنَّ شخصاً واحداً قد حفظها كلمةٍ كلمة وحرفٍ حرف مثل القرآن. هل يستوون؟
---------------------------------------------------
وبالتالي الفارق الثالث بين القرآن وبين الروايات هو:
القرآن: ملايين الحُفَّاظ وملايين مدارس التحفيظ في الماضي والحاضر.
الروايات: لا نعلم بمن حفظ الروايات كلمةٍ كلمة مثل القرآن وإن وجِد فهو شيء قليل جداً ونادر.
---------------------------------------------------
في الختام، نحب التنبيه إلى بعض الأمور. أولها هو أنَّ الفروق الثلاث أعلاه هي حقائق غير قابلة للطعن، ومن يقول غير هذا فيتفضل ويثبت أنَّ أي منها غير صحيح. باب التحدي مفتوح لمن يريد أن يقدِّم أدلة تثبت عكس ما ذكرنا.
الأمر الآخر هو أننا في مرحلة تجميع المعلومات لنصل لصورة واقعية حقيقة عن الروايات غير الصورة الوردية الصنمية التي يحرص السلفيين على تمريرها لعامة المسلمين. الأمر الأهم هو أننا لا ندعو لإنكار السُّنة ولا نحارب الدين كما يدعي كل مفترٍ كذّاب، وإنما نريد أن نضع كل شيء في موضعه الصحيح. نريد أن نفهم كل الحقائق عن الروايات ثم نضع منهجية للتعامل معها ثم بعد ذلك نعرف ما يمكن أن نبني عليه رأي ودين من الروايات، وما لا يصح أن نبني عليه شيء. دعوتنا ليست لمحاربة السنة كما يحاول أن يروج المتصنمين على اتباع ما وجدوا عليه آبائهم فهم على آثارهم مقتدون. دعوتنا هي لوضع كلام الله جل في علاه في مكانه الذي يليق به ووضع كلام البشر في المكان الذي يجب أن يكون عليه، ونتوقف عن جعل الروايات الظنيَّة حاكمة على كتاب الله.
وأعيد وأكرر.. اختلف معي كما شئت، واضرب بكل ما أقول عرض كل ذي عرض، لكن أنصحك ألا تضع نفسك موضعاً لن يسرك يوم الوقوف بين يدي الله جل في علاه، فعندما تقذفني بالباطل وتتهمني بأنني أحارب الدين وأنكر السُّنة وأسعى لتدمير الإسلام، فإنَّ خصمك يوم القيامة هو الله جل في علاه ولست أنا. والله لتُسألن عن ادعائك علم الغيب بالاطلاع على ما في قلبي الذي لا يعلمه إلا الله. قد أسامحك يوم الدين على افتراءك علي، لكن لا أعرف إن كنت تعول على أن الله لن يحاسبك على تألُّهك ومنازعتك له سبحانه في علم الغيب وما تخفي الصدور.
افتراءك عليّ هو أحد أدلتي أنَّ غضبك ليس للدين، وإنما للموروث الذي تربيت عليه لأنك لو غضبت فعلاً لله لخشيت غضبه عليك أن تكون من المفترين المتألِّهين.
على الأعم الأغلب، فإنَّ الغد بمشيئة الله عز وجل سيكون لتقديم مقال التفاعل مع تعليقات المتابعين لأنَّ حجم الافتراء والتشويش وسوء الفهم واضح من التعليقات. على العموم لنستمر في مشوارنا نحو #سعادة الدنيا والآخرة بإذن الله.. فتابعونا.
No comments:
Post a Comment