تمهيد مرحلة منهجية فهم قصة الرسول
نبدأ اليوم أولى خطواتنا في محطة جديدة من محطات منهجية فهم أنفسنا وكل ما حولنا. فبعدما أنهينا سلسلة قواعد منهجية فهم وتدبر القرآن الكريم، ثم تبعناها بسلسلة منهجية التعامل مع الروايات، فإننا اليوم نبدأ سلسة منهجية فهم قصة الرسول صلى الله عليه و سلم.
بالطبع أنا هنا لست بصدد تقديم سرد قصصي لشرح قصة الرسول، وبطبيعة الحال أنا لست هنا لأمارس التكرار والاجترار والتلقين الذي ظلت أجيال كثيرة من المسلمين لقرون طويلة تعيده وتكرره دون محاولة واقعية علمية حقيقية لفحص ما نعرفه عن نبينا عليه الصلاة و السلام.
هذه السلسة تهدف لوضع منهجية جديدة نعيد من خلالها التعرف على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وهو الأمر الذي سيجعل كثيرين يتفاجئون لأنهم سيكتشفون أنهم لم يكونوا يعرفوا من هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. سيشعر البعض بالغضب خاصة أولئك الذين يستعجلون ويقفزون للحكم على ما نقدم حتى قبل أن نقدمه. سيشعرون بأنني قد تجاوزت كل الحدود لمجرد أنني قلت ما لم تعتد عليه أسماعهم ولأنني أخالف ما وجدوا عليه آبائهم. هذه السلسة هي حلقة من ضمن حلقات إعادة هيكلة ما نعرفه عن ديننا للخروج من المأزق الذهني والأخلاقي الذي علقنا فيه منذ قرون طويلة.
وبما أنَّ هذا مقال تمهيد لمرحلة جديدة، فلن يكون هناك مقال مختصر ومقال مُفصَّل، بل سيكون هناك هذا المقال ومقال آخر للتفاعل مع التعليقات والأسئلة. على العموم، خطتنا للأسابيع القادمة بإذن الله هي للإبحار في مرحلتنا الثالثة والتي هي منهجية فهم قصة الرسول والتي بدأت بالفعل بمقال اليوم.
في هذه السلسة الجديدة، نحن بصدد تقديم سبع مفاهيم أساسية تمثل منهجيتنا لفهم قصة الرسول عليه الصلاة والسلام.
التالي هو شرح مختصر لهذه المفاهيم التي سنتناول كل منها بثلاث مقالات كالمعتاد. مقال مختصر، مقال مُفصَّل، وآخر للتفاعل مع التعليقات والأسئلة.
إليكم المفاهيم السبع:
المفهوم الأول: علاقة الرسول بالخالق العظيم جل في علاه
فهم علاقة الرسول برب العزة سبحانه وتعالى يعتبر حجر الأساس لتصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة التي تشكلت حول شخص النبي عليه السلام والتي وصلت في بعض الحالات لدرجة التأليه.
فعلى سبيل المثال: بعض الفرق الصوفية وصل بهم تعظيم شأن الرسول لدرجة اعتباره أنه ليس بشر من طين، وإنما هو جزء من نور الله، وخُلِق من نوره، وأنَّ كل الكون موجود من أجل الرسول، بل كل شيء خلقه الله خلقه لأجل النبي.
هذه المبالغة التي تصل حد التأليه، تمثل انحراف كبير في فهم الدين ككل. فبمجرد نفي بشرية الرسول وجعل الكون مخلوق لأجله وليس العكس، فحينها ستنقلب كل الموازين و سيتم تفسير كل شيء بشكل مقلوب. التفريق بين مصطلح الرسول ومصطلح النبي، سيكون أحد أدواتنا لفهم علاقة الرسول بالله جل في علاه.
المفهوم الثاني: علاقة الرسول بأصحابه
هذا المفهوم أيضاً سيساعدنا كثيراً في تصحيح الصورة الملتصقة في أذهاننا حول أصحاب النبي، وكيف أنَّ فهم علاقة الرسول بأصحابه بشكل صحيح ستساعدنا لفهم أفضل لديننا. فنحن لأننا لم نعاصر النبي عليه السلام ولم نعِش معه، فإنَّ أذهاننا لا ترى من النبي إلا جانب الرسالة ولا نتخيل أنه يمكن أن يكون شيء آخر غير كونه رسول يحمل رسالة من عند الله عز وجل.
وفي حقيقة الأمر لو فكرنا في من عاصره وعاشره عليه السلام، فسنرى صورة مغايرة. فالنبي لم يكن فقط يمثل الرسول الذي يحمل رسالة الله جل في علاه فحسب، بل كان لمن عاصره وعاش معه الرسول والقائد السياسي والقائد العسكري والقاضي. بل كان يمثل لبعضهم بطبيعة الحال أكثر من ذلك حيث كان لبعض من عاصره الأب أو الزوج أو الصديق وابن العم و القريب.
عندما نصل لمناقشة هذا المفهوم سنكتشف أن هناك خلل كبير جداً في فهمنا للإسلام عموماً ولقصة النبي خصوصاً بسبب أننا ننظر للأمر من زاوية الرسالة فقط لأننا بالفعل لا يمسنا منه إلا هذا الجانب. فِهم أنَّ النبي كان يتعامل مع أصحابه بشكل يتجاوز كونه رسول يحمل رسالة السماء، وفِهم أنه مثّل دور الزعيم السياسي والقائد العسكري والقاضي بين الناس، كل هذا سيؤثر بشكل كبير على فهمنا للقرآن وعلى طريقة تعاملنا مع الروايات.
المفهوم الثالث: علاقة الرسول بمن جاء بعده
هنا نحن أمام المفهوم الذي يمسنا نحن كجيل حالي ويمس كل الأجيال السابقة وحتى اللاحقة من الذين لم تُتح لهم الفرصة لمعاصرة ومعاشرة الرسول عليه الصلاة و السلام.
إنَّ علاقتنا بالرسول كرسول لا تتجاوز كونه رسول من عند الله حمل رسالة القرآن وأدَّى الأمانة وبلَّغ الرسالة على أكمل وجه.
كثير من التشريعات والأحكام التي تم استنباطها من حياة النبي وسيرته تم إخراجها عن سياقها بسبب أن كثير من فقهاء السلف والخلف أضاف لكلام الرسول وأفعاله أبعاداً تتجاوز البعد الحقيقي لعلاقتنا به صلى الله عليه وسلم. فنحن وكل جيل لم يعاصر الرسول تخضع علاقتنا به عليه السلام لمعيار وحيد فقط وهو معيار الرسالة وما بلّغ الرسول منها.
المفهوم الرابع: قصة الرسول في القرآن
هذا المفهوم يعني أننا نقوم باستخراج قصة الرسول وصفاته من القرآن فقط لا غير.
إذا قمنا بهذا العمل، والذي يمكن أن يُشرف عليه علماء ومفكرون، فإننا سنكون قادرين على الخروج بصورة أصح وأدق وأكثر مصداقية كون القرآن الكريم هو المصدر الوحيد الذي بين أيدينا الذي نعلم يقيناً أنه قطعي الثبوت وأنه المصدر الوحيد لاستخراج المعلومة الحقيقية اليقينية المصدر.
المشكلة تكمن في أننا بحاجة لجهد كبير من العلماء والمفكرين لبدء تطبيق مبدأ فهم القرآن من القرآن على نطاق واسع وتقليل الاعتماد على الروايات للحدود القصوى الدنيا. وحتى قبل أن نرى هذا الجهد يتحقق على أرض الواقع، فإن كثير من الذين يملكون أدوات البحث والتدبر يمكنهم بسهولة الخروج بخطوط عريضة أقرب لقصة الرسول ولشخصيته.
في هذا المفهوم الرابع سوف نكتشف أنَّ فهم قصة النبي في القرآن هو أحد الأمور الجوهرية لإعادة هيكلة فهمنا تقريباً لكل شيء يتعلق بدين الإسلام.
المفهوم الخامس: قصة الرسول في الروايات
هنا نحن لا نحاول فهم قصة الرسول من خلال الروايات، وإنما الهدف من هذا المفهوم الخامس هو أن نساعد الجميع على رؤية مدى التناقض والاختلاف بين شخصية النبي في القرآن مقارنة مع شخصية النبي في الروايات.
سوف نقوم بتقديم روايات من أهم كتب الحديث تعزز هذه الحقيقة التي طرحتها هنا وهي أنَّ هناك نبي في القرآن يختلف عن النبي الذي نعرفه من خلال الروايات.
في الأساس، هذا المفهوم الخامس ليس مفهوم أساسي لفهم قصة النبي، وإنما تأتي أهميته في أن عقد مقارنة بين نبي القرآن ونبي الروايات سيساعد الكثيرين على رؤية أننا بالفعل بحاجة ملحة لتجديد فهمنا للدين كله، وأنه قد حان وقت أن يكون القرآن هو سيد الموقف كلما تعلق الأمر بفهم رسالة الله جل في علاه وبفهم قصة نبيه عليه السلام.
المفهوم السادس: التعرف على مفهوم الرسول الخاتم
أحد أهم الصفات المرتبطة بالنبي عليه الصلاة والسلام هي صفة الرسول الخاتم. هذه الصفة تحمل دلالات مهمة جداً لفهم كل الرسالات التي أرسلها الله وليس رسالة الإسلام فقط. قصة النبي يمكن أن ننظر لها بمنظور صغير كقصة إنسان عاش في زمان معين وبين ظهراني جيل محدد من الإنسانية، لكن هناك زاوية نظر أوسع وأعم وأشمل يمكن لنا من خلالها رؤية قصة الرسول كجزء من مسلسل قصة الإنسانية. هذا البُعد الأكبر والأعلى هو الذي سيساعدنا على استخراج مبادئ إنسانية أعلى وأسمى هي مقصود رسالة الإسلام.
هذه المبادئ الإنسانية العليا تم تضييعها بفصل قصة النبي عليه الصلاة والسلام عن سياقها الإنساني والتاريخي المرتبط بتاريخ الإنسانية. وأحد أهم المبادئ التي يمكننا استخدامها لرؤية هذا الربط بين قصة النبي وقصة الإنسانية، هو مبدأ الخاتمية. كون الرسول عليه السلام هو الرسول الخاتم هي من الأمور التي ستفتح أعيننا على مفاهيم جديدة تخرجنا من حالة التقوقع التي نعيشها كمسليمن منذ قرون.
المفهوم السابع: مفهوم الرسالات و الرسل من المنظور القرآني
كون محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم كان رسول جاء ضمن سلسلة من الرسل، فإن فهم قصته بشكل صحيح يحتاج منا لفهم مفهوم الرسالات والرسل.
فِهم المقاصد من إرسال الرسالات والرسل والذي لم يكن نبينا محمد عليه السلام بدعاً منها، فِهم هذه المقاصد سيمثل أحد الأساس التي يمكن أن نبني عليها فهمنا لقصة النبي بشكل أفضل. فِهم أسباب لإرسال الرسالات والرسل والغاية من كل رسالة سيساعد كثيراً على تطبيق المفهوم الرابع من مفاهيم فهم قصة النبي عليه السلام إلا وهو مفهوم فهم قصة النبي في القرآن.
نبينا محمد عليه السلام جاء ضمن مشروع ذو مراحل أراد الله بهذه المراحل خير الإنسانية جمعاء، ولن نفهم قصة النبي إلا إذا فهمنا الخطوط العريضة لمشروع الإنسانية الذي وضعه الله جل في علاه على الأرض.
مفاهيمنا السبع هي مفاهيم مهمة ولكنها متشابكة ومتداخلة وبعضها يوضح بعض. قد يكون الترتيب عامل مساعد لتوضيح الرؤية، وقد تؤدي درجة التشابك بين هذه المفاهيم إلى إسقاط أهمية ترتيبها من 1 إلى 7. سوف نتعرف على الكثير من خلال السير في طرقات رحلتنا الجديدة التي تدور كلها على منهجية فهم قصة الرسول عليه الصلاة والسلام حلة ستكون ممتعة وشيقة وسعيدة فوق كونها مرحلة من مراحل مشوارنا نحو #السعادة.
لذا فإنني متحمس لهذا المرحلة خاصة وأنَّ رمضان على الأبواب وكلٌ منا ملتزمٌ في بيته. أعرف أن بعضنا ليسوا كذلك، لكن كلٌ يعمل على سد ثغرته ويترك ثغرات الآخرين لهم، فلن نحاسب على أعمال غيرنا حتى لو أثرت علينا.
مشوارنا يكاد يكون كمغامرة، ولكنها ممتعة وشيقة.. فتابعونا.
Is it safe to gamble on YouTube? - Vimeo
ReplyDeleteVideos on YouTube are extremely popular when it comes to sports betting, and youtube to mp3 converter mac it's the first time you see an NFL player hit an Rating: 4.2 · 7,903 votes