تمهيد القواعد الخمس لمنهجية التعامل مع الروايات (المقال المختصر)
لقد وقفنا وقفة مراجعة في آخر مقال بحيث نظرنا لموضع أقدامنا والتفتنا للخلف لننظر في ما أنجزناه، وهل نحن على المسار الصحيح أم انحرفت بنا المسالك. وبفضل الله جل في علاه مازلنا سائرين في الاتجاه الذي رسمناه منذ البداية وتالي الخطوات هو أن ننجز مهمة المرحلة الثانية والتي هي وضع قواعد منهجية للتعامل مع الروايات. فقد مهَّدنا أرضية تلك القواعد بطرح كل المعلومات الأساسية والحقائق والمسلَّمات المتعلقة بالموضوع كي نمهد بناء قواعدنا على أرضية صلبة ومتينة، وكما هو معلوم، سيكون مقال اليوم هو المقال المختصر في وضع قواعد منهجية التعامل مع الروايات على أن ننشر المقال الموسع بعد ثلاثة أيام كما بيَّنا من قبل.
وقبل أن نبدأ نريد أن نُعرِّف بعض المصطلحات لكي يسهل فهم القواعد. وهنا لدينا مصطلحات أربع هي:
المتن - التبليغ – الدين – التدين
أما المتن، فيقصد به مضمون الرواية من ناحية المعنى الذي تقود إليه بغض النظر عن السند
والتبليغ، فسيتم شرحه مفهومه من خلال المقال نفسه
وبالنسبة للدين والتدين، فيمكن الرجوع لمقالنا المنشور سابقاً بالخصوص لفهم ما نعني بهما.
والآن دعونا نبدأ. فكما وضعنا قواعد منهجية لتدبر وفِهم القرآن الكريم وناقشناها قاعدة قاعدة، سنفعل نفس الشيء هنا بوضع القواعد الخمس التالية بشكل مختصر على أن نقدم تفاصيل كل قاعدة في مقال منفصل. وهذه القواعد الخمس مرتبة ترتيب اختباري مُلزم من الناحية المنطقية. فالقواعد التالية لا تعمل بشكل منفصل عن بعضها، وإنما تعمل بشكل متصل مرتب، بحيث نطبق القاعدة الأولى على الرواية، فإن لم تصمد، تم ترك الرواية وثبات عدم صلاحيتها. أمَّا إذا صمدت الرواية أمام القاعدة الأولى، نقوم بعدها بعرضها على القاعدة الثانية. إن لم تصمد، تركناها، وإن صمدت، مرت للقاعدة الثالثة. وهكذا حتى يتم عرضها على القواعد كلها، مع الانتباه إلى أنَّ القواعد الثلاث الأولى هي لأخذ أو ترك الرواية، بينما القاعدتان الرابعة والخامسة هما لتوظيف طريقة استخدامها إن مرت بسلام من قواعد الاختبار الثلاث الأولى.
على العموم سيكون الأمر أوضح بعد عرض هذه القواعد الخمس التالية:
القاعدة الأولى: عرض متن الرواية على النص القرآني وكليات القرآن
اعتقد أنَّ هذه هي أسهل القواعد وأكثرها وضوحاً ومنطقية. فبعرض متن الحديث على النصوص القرآنية والقواعد الكلية التي يرسمها القرآن على طول الكتاب وعرضه، فسنكون قادرين على رؤية أي تناقض بين المعنى الذي تفيده الرواية، وبين كليات وقواعد القرآن. ففي حال ثبت التناقض بين متن الرواية وبين القواعد القرآنية التي تعبر عن الخطوط العريضة للدين، يمكن حينها إهمال الرواية ورفضها مهما علت درجة صحة سندها.
القاعدة الثانية: عرض متن الرواية على المنطق الإنساني العقلي المشترك
وهنا تعتبر هذه القاعدة هي المرحلة الثانية في اختبار صلاحية الرواية من عدمها. فإذا لم نجد ما يعارضها في القرآن، ولكنها كانت تصطدم مع العقل والمنطق الإنساني المشترك، سيثبت حينها عدم صلاحية الرواية للاستخدام في أي شيء لأنَّ الأخذ بها يعني أننا لم نحترم عقولنا التي هي مناطق التكليف بالدين في المقام الأول.
القاعدة الثالثة: عرض متن الرواية على الحقائق العلمية والتاريخية التي ثبت صحتها
هذه القاعدة تمثل تَفَحُّصِ متن الرواية عن طريق عرضها على الحقائق العلمية الثابتة التي انتهى الجدل العلمي في الأوساط العلمية حول صحتها من عدمه. وبالحقائق العلمية هنا نعني أي علم سواء علم تطبيقي كالفيزياء والكيمياء و الأحياء والرياضيات، أو علم إنساني مثل التاريخ والجغرافيا وعلم النفس والاجتماع. ففي حال تعارض متن الرواية مع أي حقيقة علمية، فإنه يتم تركها كونها تقدم مفاهيم باطلة من الناحية العلمية. وهنا يجب التنبيه إلى أننا هنا نقصد متون الروايات التي تتناول شأن من شؤون الطبيعة والحياة الملموسة والمحسوسة وليست تتناول أمر من أمور الغيب. فالعلم لا يتعامل أصلاً مع الأمور الغيبية؛ ولهذا لا يصلح أن نستخدمه لتقييم رواية تتكلم عن أمور غيبية غير ملموسة وغير محسوسة كتلك التي تتحدث عن الجن والملائكة والجنة و النار.
القاعدة الرابعة: تحديد نوع الرواية من ناحية التبليغ
هنا نحن تبدأ قواعد التوظيف بالعمل لأننا بالوصول للقاعدة الرابعة فإننا نفترض أنَّ الرواية مرت بسلام بعد عرضها على القواعد الثلاث الأولى. وبالتالي نحن الآن لا نبحث عن صلاحية الرواية من ناحية إمكانية الوثوق بصدق ما ورد فيها من عدمه؛ إذ أن مصداقية الرواية تحددها القواعد الثلاث الأولى فقط. وإنما نحن الآن نبحث عن مضمون الرواية وإمكانية أن تكون متناولة لشأن من شؤون الدين أم أنها تروي حادثة وقصة لا علاقة لها بالدين. فإذا كانت الرواية تتحدث عن قصة عادية ليس فيها أي شأن ديني، حينها يمكن تصور أنها قد تكون مفيدة من ناحية البحوث التاريخية أو الاجتماعية، ولكن لا نستخدمها لإثبات أو نفي شيء في الدين كونها أصلاً لا تتحدث عنه. وللتنبيه هنا أيضاً، فإنه قد يحصل أن نستفيد من الرواية لفهم شيء في الدين، إذا أنتجت لنا البحوث التاريخية والاجتماعية نتائج علمية يمكن استخدامها لفهم وتدبر القرآن. حينها ستصبح الرواية لها بعد ديني لكن غير مباشر.
القاعدة الخامسة: تحديد ما إذا كانت الرواية تختص بالدين أم بالتدين
كما وضَّحنا قبل سرد القواعد، فنحن هنا نفترض حسب تسلسل القواعد أنَّ القاعدة مرت بسلام خلال القواعد الثلاث الأولى، وأنه بعرضها بعد ذلك على القاعدة الرابعة يمكن معرفة أن لها علاقة بالدين أم لا. فإذا اكتشفنا أنَّ الرواية لها علاقة بالدين، فحينها سنحتاج لعرضها على قاعدتنا الخامسة لمعرفة في أي شأن تتحدث هذه الرواية. فقد تكون الرواية تتناول شأن من شؤون الدين نفسه، أو قد تكون تتناول شأن من شؤون التدين.
فكما نعلم أنَّ الدين كما عرَّفناه يقدم الجزء الثابت الغيبي من الرسالة، بينما التدين يقدم الجزء المتغير الاجتهادي من النبوة. وهذا التمييز سيؤثر كثيراً في طريقة توظيف الرواية من ناحية تدبر القرآن واستنباط المفاهيم والأحكام المستخرَجة من القرآن.
بفهم هذه القواعد الخمس لمنهجية التعامل مع الروايات، سنكون قد وصلنا لنقطة تحرج كل من رمانا بأننا ننكر السنة ونسعى لهدمها. فالذي لديه الحد الأدنى من الذكاء يمكنه من الآن ومن خلال الشرح المختصر للقواعد الخمس أعلاه أن يكتشف أننا لسنا فقط نضع قواعد لطريقة الأخذ بالروايات أو ما يسمونه اصطلاحاً للسُّنة، وإنما أيضاً نضع قواعد لطريقة توظيف ما يصلح منها. أي أننا نريد أن نتعامل مع الروايات ونعمل بها طالما كان الأمر يخضع لقواعد منهجية منطقية منضبطة. فتطوير قواعد التعامل مع الروايات هو ما نحتاجه للخروج من أزمة اجترار آراء الأولين والتكاسل عن تجديد قواعد الفهم والاستنباط والتي وضع فقهاء السلف رحمهم الله مثيلاً لها يتناسب مع الأرضية المعرفية والقيمية التي كانوا يقفون عليها في زمانهم، ولكن ليس لقواعدهم ديمومة الصلاحية لتصلح في زمننا. فما يصلح لكل زمان ومكان ويخترق حواجز الزمن ولا تنتهي صلاحيته هو كلام ربنا العظيم وحده فقط جل في علاه. أمَّا أفهام البشر وآرائهم هي محدودة محدودية قدرة الإنسان المخلوق الضعيف، ولا تتجاوز حدود الزمان ولا حتى المكان. فلا شيء يسافر عبر الزمان كما هو إلا القرآن فقط لا غير. وما عدا ذلك كل شيء يتجدد ويتغير مع الزمن.
نكتفي بهذا القدر اليوم على أن نعود إليكم بالمقال المُفصَّل، والذي سنقدم به مناقشة أوسع قليلاً مع تقديم بعض الأمثلة البسيطة التي توضح القواعد الخمس بشكل أفضل.
مازلنا نسلك سبيل الوصول #للسعادة، ومازالت هي تحادينا مادمنا لم نَحِد نحن عن السبيل القويم للواصل إليها.
مشوارنا مستمر بإذن الله.. فتابعونا.
All the games you can play on the Sega Genesis - AprCasino
ReplyDeleteThe gri-go.com best part is, apr casino of course, the game, is that there are very few people who do https://septcasino.com/review/merit-casino/ a lot of gri-go.com the hard work. The best part is, if the https://access777.com/