التفاعل مع مقال عرض الروايات على القرآن
اليوم بعون الله سوف نقدم مقال التفاعل مع التعليقات والأسئلة على موضوعنا الأخير وهو مناقشة القاعدة الأولى في منهجية التعامل مع الروايات والتي هي عرض الروايات على القرآن. في هذه القاعدة ناقشنا فكرة تطبيقها وقدمنا عدة أمثلة على طريقة عرض الروايات على القرآن. وكما هو متوقع، وردت عدة تعليقات وعدة أسئلة سنتفاعل معها من خلال النقاط التالية لتكون الأمور أكثر وضوحاً:
## نتمنى من الجميع أن يتذكروا أنَّنا نعمل ضمن مشروع أكبر من الموضوع الذي نناقشه في كل مقال. فكل مقال يغطي جزئية معينة وتفصيل من تفصيل شيء ضمن مواضيع تخدم هدف المشروع الأكبر وبالتالي يجب أن نتذكر باستمرار أن نربط بين هدف المقال والهدف الكلي من المشروع بأكمله. ولكي نستحضر الصورة الكاملة، فإنَّ مشروعنا هو للوصول لسعادة قلبية دائمة وطمأنينة مستمرة. ولكي يتحقق هذا فإنَّنا يجب أن نفهم أنفسنا جيداً وكذلك نفهم كل ما حولنا. وأهم وسيلة لفهم أفضل للحياة هو فهم وتدبر كتاب الله عز وجل. ولأنَّ فهم القرآن تم تجميده تعسفاً منذ قرون، فقد انحدرنا لقعر القاع حتى صرنا أبخس وأرخص وأفسد وأضعف أمم الأرض رغم وجود أهم مصدر للتقدم والسعادة بيننا ألا وهو القرآن العظيم. ومع مرور القرون صار بيننا وبين القرآن حواجز وحوائل وموانع بحيث أنه صارت تلك الحواجز والفواصل التي تحول بيننا وبين علاقة مباشرة مع كتاب ربنا هي أكثر قدسية من القرآن نفسه. بل تجَّرئ مقدِّسو تلك الحواجز بأن جعلوا الحواجز والفواصل هي مصدر الهداية، والقرآن مصدر للضلال إن لم نلحق به الحواجز والفواصل. أقسم بالله أنَّ هؤلاء غير مدركين لما يقولون. فهم جعلوا فهم فقهاء القرون الأولى هو مصدر الهداية والكفاية وأنَّ من تجاوزهم وذهب إلى القرآن بشكل مباشر فسيضل ضلالاً مبيناً! والله إنهم لا يدركون خطورة ما يقولون ويحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم.
## استتباعاً للنقطة السابقة، فإنَّ مشروعنا هو إزالة أي حواجز بيننا وبين كتاب الله جل في علاه، ولكي نزيل هذه الحواجز التي تقدست في قلوب مئات ملايين المسلمين، كان لابد من فتح أعينهم على الحقيقة ومشاركتهم ما يتم إخفائه عنهم بممارسة التيارات السلفية الإرهاب الفكري بتفسيق وتكفير وزندقة كل من يكتفي بالقرآن. سيطروا على عقول الجموع بالترهيب والتخويف وإقناعهم بأنَّ الاكتفاء بالقرآن سيكون عقباه النار، وأنَّ من يبحث عن الهدى في القرآن دون استعارة عقول الأولين سيُلقى به في قعر جهنم ملوماً مدحوراً.
لإزالة هذه الحواجز التي تفصلنا عن القرآن، كان لابد لنا من أن ننشر الوعي بين المسلمين بحقائق طالما حجبوها عنهم. من أهم هذه الحقائق كان ما تناولناه من قبل في عدة مقالات بخصوص الفرق الهائل الشاسع بين طريقة وصول القرآن وطريقة ووصول الروايات وفِقه الفقهاء. ولكي نكون عمليين، بدأنا في وضع منهجية للتعامل مع الروايات التي اكتشفنا أنها كلها على بكرة أبيها ظنية الثبوت لا تصلح لإثبات حقٍ أو نفيه لأنَّ الظن لا يغني عن الحق شيئاً. ودعوتنا كانت لإنزال الروايات منزلتها التي تليق بها وعدم رفعها منزلة القرآن العظيم الذين جعل السلفيين الروايات حاكمة عليه لدرجة أنَّ رواية ظنية يمكنها عندهم أن تنسخ كلام الله وتلغيه.
## ولأننا قد قدمنا خمس قواعد لمنهجية التعامل مع الروايات، فقد بدأنا بقاعدتنا الأولى وهي عرض الروايات على القرآن لنرى هل يمكن أن نأخذ منها شيء أم أنها مكذوبة يجب تركها. قدمنا عدة أمثلة على تطبيق ذلك، وتم اختيار بعض الروايات التي تتعارض مع القرآن تعارضاً صارخاً فاضحاً لا لبس فيه. وكان الهدف هو أن يعرف المتابعين الأكارم أنَّ وجود رواية في البخاري أو مسلم أو أي من الكتب الستة لا يعني أنها صحيحة. فالأولين كانوا يصححون ويضعفون بشكل أساسي اعتماداً على السند والذي كما وضحنا أنَّه يصلح للحكم على عدم صحة الرواية ولا ينفع للحكم على صحتها.
## السند والذي هو عنعنة سلسلة من الرواة يروي فيها أحدهم عن الآخر حتى يصلون لزمن حدوث الرواية، هذا السند يبحث فيه جامعو الحديث عن مدة قدرة الراوي على الحفظ وعن مصداقيته. وهذا أمر جيد، لكن للأسف تم استخدامه بشكل غير صحيح وبطريقة غير منطقية. فالسند كان يجب أن يكون أداة نفي صحة وليس أداة إثبات صحة وهو ما عكَسه جامعو الحديث. وليس أدلُّ على هذا الخطأ التقني الشنيع من أنَّ أشهر مَن جمع الروايات كان البخاري ومسلم وكلاهما سمى كتابه الصحيح. أي أنهم يقولون لقارئ كتبهم أنَّ الروايات التي جمعناها صحيحة وهو الأمر العاري عن الصحة والذي أثبتناه بأمثلة كثيرة مضت، وأمثلة أكثر ستأتي بإذن الله جل في علاه. 99% مما ورد في ما سموه "الصحيحين" هي روايات آحاد ظنية الثبوت ما يعني بطريقة علمية وعملية أنها غير ثابتة الحدوث وأنَّه يُظن أنَّ أحداث الرواية قد حصلت. هذه الظنية التي لم ينكرها البخاري ومسلم وكل فقهاء المسلمين، كفيلة بجعل الرواية مهما علا مستوى سندها، فإنها شيءٌ من الظن لا نثبت به ولا ننفي به؛ لأنَّ الظن كما قال ربنا جل في علاه لا يغني عن الحق شيئاً.
## السند والذي هو عنعنة سلسلة من الرواة يروي فيها أحدهم عن الآخر حتى يصلون لزمن حدوث الرواية، هذا السند يبحث فيه جامعو الحديث عن مدة قدرة الراوي على الحفظ وعن مصداقيته. وهذا أمر جيد، لكن للأسف تم استخدامه بشكل غير صحيح وبطريقة غير منطقية. فالسند كان يجب أن يكون أداة نفي صحة وليس أداة إثبات صحة وهو ما عكَسه جامعو الحديث. وليس أدلُّ على هذا الخطأ التقني الشنيع من أنَّ أشهر مَن جمع الروايات كان البخاري ومسلم وكلاهما سمى كتابه الصحيح. أي أنهم يقولون لقارئ كتبهم أنَّ الروايات التي جمعناها صحيحة وهو الأمر العاري عن الصحة والذي أثبتناه بأمثلة كثيرة مضت، وأمثلة أكثر ستأتي بإذن الله جل في علاه. 99% مما ورد في ما سموه "الصحيحين" هي روايات آحاد ظنية الثبوت ما يعني بطريقة علمية وعملية أنها غير ثابتة الحدوث وأنَّه يُظن أنَّ أحداث الرواية قد حصلت. هذه الظنية التي لم ينكرها البخاري ومسلم وكل فقهاء المسلمين، كفيلة بجعل الرواية مهما علا مستوى سندها، فإنها شيءٌ من الظن لا نثبت به ولا ننفي به؛ لأنَّ الظن كما قال ربنا جل في علاه لا يغني عن الحق شيئاً.
## الأمثلة التي قدمناها من روايات في البخاري ومسلم والتي ثبت تعارضها المباشر والصارخ مع كتاب الله، هي دليل على أنَّ الرواية قد كذَّبها أحدهم وقام بتأليفها أحد رواة الحديث في سلسلة عنعنته. ولتبسيط الأمر دعونا نرى الصورة بشكل أوضح. دعونا نخترع رواية من أجل توضيح الصورة. دعونا نفترض أنَّ رواية ما جاءت كالتالي:
{ عن سعيد عن زيد عن عمر عن جرير قال سمعت رسول الله يقول "من ترك الإسلام فاضربوا عنقه" }
فكما بَّينا في المثال الأول في مقالنا، فإنَّ القرآن يقول بالعكس تماماً ولم يبِح دم أي إنسان قرر ترك الإسلام. فهناك الكثير من الآيات الصريحة تعارض هذه الرواية التي اخترعتها أنا هنا، فضلاً عن أنَّ كليات القرآن تثبت لكل إنسان حق حرية الاعتقاد وأنَّه لا يحل لأحد أن يكره أحد على عقيدة معينة. لا يقول بجواز إكراه الناس على ممارسة عقيدة معينة إلا الدواعش والسلفيين والمتطرفين بشكل عام وهم قلة غير معتبرة. وبالتالي فإنَّ بطلان الحديث الذي ألفته هنا هو باطل مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والهدف من اختراعي لهذه الرواية الافتراضية هو توضيح فكرة مهمة مثل أننا لا نعرف على وجه الدقة من الذي اخترع الحديث ونسبه لرسول الله، هل هو سعيد، أم زيد أم عمر أم جرير. في الحقيقة لا يهمنا معرفة من منهم الكاذب، لكن ما يهمنا هو أنَّنا نعرف يقيناً أنَّ هذه الرواية مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهنا نأتي للنقطة المهمة وهي، لو كان لي كتاب جمعت فيه روايات منسوبة لرسول الله وسميته "صحيح أقوال وأفعال رسول الله"، وكان من ضمن الروايات التي جمعتها هي الرواية التي اخترعتها هنا، فهذا يعني بأنَّ منهجيتي غير صحيحة لسبب بسيط وهو التالي:
- القلوب لا يعلم ما فيها إلا الله جل في علاه وبالتالي لا نستطيع أن نعرف من الصادق ومن هو منافق يتظاهر بالصدق وقلبه يخفي الغش والكذب. حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم الصادق من الكاذب من أصحابه كما أخبرنا القرآن بشكل قطعي وصريح وواضح في قوله تعالى (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ). من هذا الذي سيتأله على الله ويزكي عبداً لله ورسول الله نفسه بنص الآية لا يعلم؟ من هذا الذي يجرؤ على إدعاء علم الغيب ومعرفة ما في قلوب الناس ويزكي سعيد أو زيد أو عمر أو جرير ويجزم أنَّ خبر الآحاد صدق لا ريب فيه؟ .. من؟
وبالعودة لروايات الآحاد في كتاب البخاري وغيره، فإنَّ مجرد تسمية هذه الكتب بكتب الصحاح هو في حد ذاته خطأ شنيع لأنَّ فيه قدر من التدليس على الناس وتشتيت انتباههم عن حقيقة أن كل ما تم جمعه هو روايات آحاد ظنية لا تقوم على شيء سوى أنَّ من جمعها أحسن الظن بمن سمع منه، وهذا لا يمكن أن يُطلق عليه اسم "صحيح" لأنه ظن، والظن ظن ولا يغني عن الحق شيئاً.
بالمختصر، وجود روايات ثبت بطلانها في كتب الحديث يجعلنا نعرف أنَّ من جمع الأحاديث كان يحاول أفضل ما عنده ويعمل بأغلب الظن، وبالتالي سنفهم أنَّ عملهم عمل بشري وأنَّهم ليسوا آلهة يعلمون الغيب وما تخفي الصدور، وأنَّهم ليسوا أعلم من رسول الله الذي لم يكن يعلم الصادق من المنافق من أهل المدينة وهو الذي كان يعيش بينهم، فكيف سيعلم البخاري ومسلم وغيرهم وهم من جاءوا بعد قرون؟
## عدم معرفة الغالبية العظمى من المسلمين بهذه الأمور التي أطرحها بخصوص الروايات لا يعني بأنَّني أول من اكتشفها أو أنَّني قد أتيت بجديد. فالأولين قبل المتأخرين قد قالوا ما أعيده أنا هنا. أنا لم اخترع شيئاً من عندي وخاصةً في الأمثلة الثلاث التي ضربتها في مقال عرض الروايات على القرآن. وسأوضح بأنَّ الأولين هم أنفسهم قالوا ما قلت أنا هنا فضلاً عن كثير من المعاصرين. وإليكم مواقف بعض الأولين من الأمثلة الثلاث التي وردت في المقال:
- المثال الأول الذي ورد في كتاب البخاري بخصوص قتل المرتد عن عكرمة مولى ابن عباس. فعكرمة تكلم فيه جماعة من الأولين وعلى رأسهم الأمام مالك ويتركون رواياته لأنَّهم يرون أنَّه كذّاب. وبالطبع هذا ليس رأي الإمام مالك فقط وإنما جماعة من الأولين ومنهم مسلم. أي أنني لم آتي بجديد وجلبت مثال لشخص مشكوك في أمره مختلف عليه بين الأولين يروي رواية خطيرة مثل رواية استباحة دم الإنسان وإكراه على البقاء على الإسلام وإلا فإنَّ مصيره القتل.
- المثال الثاني والذي ورد في كتاب مسلم عن أنَّ الميت يتعذب بنوح أهله عليه بعد موته. هذا المثال تكلمت فيه السيدة عائشة زوج رسول الله عليه السلام. فقد روي عنها أنَّها هي نفسها لما سمعت الحديث لاحقاً كذَّبته، بل واستخدمت آية (ولا تزر وازرة وزر أخرى) لتثبت أنَّه يتعارض مع القرآن وبالتالي لا يمكن عندها أن يكون صحيح. وبالطبع بالبحث في موضوع النياحة ستجدون اختلاف كبير بين فقهاء السلف في تصديق الروايات. أي أنَّني هنا لم آتي بجديد أيضاً.
- المثال الثالث وهو ما ورد في عدد من كتب الحديث ما معناه أنَّ عبد الله بن مسعود كان يقول بأنَّ المعوذتين ليستا من القرآن، فالطعن في صحة هذه الروايات ورد من عدد من فقهاء السلف ومنهم الفخر الرازي والباقلاني والنووي وغيرهم. وهم تقريباً قالوا نفس ما قلت في المقال وبالتالي لم آتي بجديد ولم اخترع شيئاً من عندي.
الخلاصة هي أنَّني هنا لا أقدم اختراعات ولا اكتشافات وإنما أنقل أمور معروفة عن الأولين قبل المتأخرين ولكن يتم إخفائها عن عامة المسلمين لأنه يُراد لهم أن يقتنعوا أنَّ كل ما ورد في البخاري ومسلم هي صدق وحق لا ريب فيه وهي بكل تأكيد ظن واجتهاد فيه الكثير من الخلل والأخطاء.
وفي الختام أحب أن أنبِّه لحقيقة أنَّني في كل مقالاتي ناقل ولست مخترع. كل ما أقوله تناوله الأولين والآخرين غير أنَّ عامة المسلمين لم تسنح لهم فرصة الاطلاع ومعرفة الكثير من الحقائق. والسبب الرئيسي وراء التضليل والتعتيم على حقائق الروايات هو أسلوب الإرهاب الفكري الذي مارسه المتشددون والسلفيون وأعداء العقل والتفكير في كل زمان. كل ما ظهر بين الناس من ينقل لهم مثل هذه الحقائق قام الذين يسمون أنفسهم "حماة العقيدة" بتكفير وتفسيق وزندقة كل من يعرض هذه المعلومات على عامة المسلمين لكي لا يسمع له الناس. لكن بفضل الله أظن أنه قد جاء أو أنَّ تقبل المسلمين لهذه الحقائق رغم محاولات التشويه والتشويش والإرهاب الفكري.
مقالنا القادم سيتناول القاعدة الثانية بإذن الله ضمن قواعد منهجية التعامل مع الروايات والمتمثلة في عرض الروايات على العقل. مسيرنا طويل ولكنَّه ممتع لأنَّنا نسعى إلى #السعادة التي نبحث عن ديمومتها في القلوب.
أدامها الله في قلوبكم.. فتابعونا.
No comments:
Post a Comment