قاعدة عرض الروايات على القرآن (المقال المُفصَّل)
قدمنا في منشورنا الأخير المقال المختصر بخصوص القاعدة الأولى لمنهجية التعامل مع الروايات. واليوم بإذن الله سوف نتوسع قليلاً في الشرح وفي توضيح الخلاصة. وللتذكير، فأننا قد قدمنا مقال سابق عرضنا فيه خمس قواعد لمنهجية التعامل مع الروايات بشكل مختصر ومن ثَم بدأنا سلسلة المقالات التي نتناول فيها كل قاعدة بمقال منفصل لتوضيح كل منها بشكل أوسع وتقديم أمثلة توضيحية أكثر. وهنا طبعاً نحن بصدد تقديم وعرض القاعدة الأولى والتي تقول:
(القاعدة الأولى: عرض متن الرواية على النص القرآني وكليات القرآن)
هذه القاعدة هي أداة الاختبار الأولى لأي رواية قبل عرضها على القاعدة الثانية والثالثة والتي تمثل مجتمعة أدوات اختبار متتالية. أي أنَّه عندما تكون بين أيدينا رواية قيل أنَّ سندها صحيح، فما علينا إلا عرضها على القواعد الثلاث الأولى لنتبيَّن مدى إمكانية أن تكون هذه الرواية قد حصل ما فيها من أحداث، أو أنه بالفعل قيل ما فيها من كلام سواء كان منسوب للنبي صلى الله عليه وسلم أو لأحد أصحابه أو أهل بيته. فكما تعلمون، فإنَّ فقهاء المسلمين الأوائل كانوا في الأعم الأغلب يركزون على السند وسلسلة الرواة ليقرروا هل يصح الأخذ بالرواية أو يجب تركها. من النادر أن يتم استبعاد رواية موصوفة بأنَّ سندها صحيح حتى لو كان متنها يعارض القرآن أو العقل أو العلوم الثابتة المحسومة. كان بعض الفقهاء في بعض الحالات يقوم بتمحيص متن الرواية التي قيل أنَّ سندها صحيح، إلا أنَّ أغلب الممارسات كانت تميل لاعتماد الرواية بمجرد أن يتم تصنيف سندها على أنَّه صحيح.
وللتوضيح أكثر، أو بالأحرى للتذكير، فإنَّ فقهاء السلف كانوا في الأعم الأغلب (ليس الكل) يركزون على سند الرواية ولا يهتمون بمتنها. وفي كثير من الحالات يتكلمون عن تمحيص السند وفحصه على أنَّه جزء من عملية اختبار الرواية، إلا أنَّهم عملياً كانوا نادراَ ما يردون رواية قيل أنَّ سندها صحيح حتى لو كان متنها غير مقبول أو معقول. بل كثير منهم كان يحاول تأويل آيات القرآن بشكل معيب وغير منطقي ليجعل آيات القرآن توافق الرواية أو حتى يدعي نسخها. في حين أنَّه كان عليهم ترك الرواية بمجرد تعارضها مع القرآن وليس لي أعناق آيات القرآن لتوافق الرواية. فالرواية ظنية الثبوت مهما علا مستوى تصنيف سندها، والقرآن قطعي الثبوت في كل آياته، وبالتالي العمل المنطقي الوحيد هو ترك الرواية وليس تطويع القرآن لها. وهذا الخطأ هو ما نحن بصدد محاولة تصحيحه ووضع قواعد منهجية لمعالجته.
على العموم، هذه القاعدة الأولى تمثل الاختبار الأول للأخذ برواية ما أو تركها. فبعرض المعنى اللغوي الممكن لمتن الرواية على القرآن، يمكن أن نقرر هل من الممكن أن تكون الرواية قد حصلت بالفعل وأنَّ ما قيل فيها قد قيل فعلاً، أم أنها رواية موضوعة ألفها أحدهم ونسبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم أولأحد أصحابه.
منطق هذه القاعدة بسيط ويقوم على فكرة أنَّه من خلال ما سبق عرضته من حقائق ومسلمات فيما يخص الفرق بين طريقة تجميع وتدوين وثبوت القرآن وبين طريقة تجميع وتدوين وثبوت الروايات، بناءً على الفرق الشاسع بين قطعية القرآن وظنية الروايات، فإنَّه من الطبيعي أن يتم اختبار الظني بعرضه على القطعي. أي أنَّ العمل الوحيد الرشيد هو أن يتم عرض الروايات الظنية على آيات القرآن القطعية كأداة اختبار لمدى صدق الروايات. بمعنى آخر، فإن عرض الرواية ( كلام البشر)، على القرآن (كلام رب البشر) لابد وأن يكون أول قاعدة لتقييم وتنقيح وتمحيص أي رواية مهما تغزلوا في نقاوة سندها.
ولأنَّ القاعدة كمفهوم تُعتبر بسيطة وخالية من التعقيد ولا أظن أنَّه يختلف حول صحة استخدامها البسطاء فضلاً عن المتخصصين، فلا يحتاج الأمر لكثرة شرح وتوضيح. الذي نحتاجه بشكل أكبر هنا هو تقديم أمثلة حقيقة على طريقة تطبيق القاعدة. وبالتالي سنقوم بعرض مجموعة من الأمثلة على روايات في الكتب الستة الأكثر شهرة واعتمادية بين المسلمين، هذه الروايات التي سنقدمها، سيتبيَّن لنا أنه لا يمكن تصديقها أو الأخذ بها لتعارضها التام والمباشر مع آيات القرآن الكريم وكلياته التي يرسمها على طول الكتاب وعرضه. أي أنَّ الأمثلة التالية ليست فقط مجرد أمثلة توضيحية لشرح طريقة تطبيق القاعدة، بل يُقصد منها أيضاً توضيح عدم صلاحية منهج فقهاء السلف الذين كانوا يستخدمون روايات ظنية لتشريع أشياء خطيرة مثل إراقة دماء الناس و قتلهم بحجة حديث الردة الذي يعارض كامل القرآن وليس آيات فيه فقط كما سنبيِّن لاحقاً.
والآن دعونا نقدم الأمثلة التالية:
(المثال الأول):
المثال الأول نتناول فيه أشهر حديث لما يسمى حد الردة والذي ورد في بعض كتب الروايات وعلى رأسها كتاب صحيح البخاري. وإليكم الرواية:
{حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، قال: أُتي على رضي الله عنه بزنادقة، فأحرقهم؛ فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تعذبوا بعذاب الله))، ولقتلتهم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من بدَّل دينه فاقتلوه))}
وهذا الحديث يتعارض تعارض مباشر و كامل مع عدة آيات قرآنية نسردها كالتالي:
وهذا الحديث يتعارض تعارض مباشر و كامل مع عدة آيات قرآنية نسردها كالتالي:
(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ)
(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ)
ولكثرة الآيات التي تحمل مضمون حرية الاعتقاد ومنع الإكراه في الدين، فسنكتفي بهذه الآيات فقط. وهذا الحديث الوارد في كتاب البخاري و الذي يعتبر من أعلى كتب الروايات موثوقية، هذا الحديث لا يمكن قبوله على الإطلاق كون التعارض بينه وبين القرآن ليس فقط أنَّه عارض النص الصريح لعدة آيات من القرآن، وإنما أيضاً لأنه يعارض كليات القرآن وخطوطه العريضة التي يرسمها على طول الكتاب وعرضه. فحُرية الاعتقاد وجعل الإيمان والكُفر مسألة شخصية بين الإنسان وربه هو مبدأ قرآني أصيل رسمته مجموعة كبيرة من الآيات ومنها الآيات الأربع التي سقناها في الأعلى.
الأهم في هذا المثال هو أنَّ هذا المثال يبيِّن بوضوح كيف كان فقهاء السلف يعتمدون على السند دون المتن حتى لو صرحوا بأنَّهم يهتمون بالمتن. فبعض فقهاء السلف صرح بالفعل أنَّهم ينظرون للمتن مع السند، لكنَّهم عملياً كانوا يتجاهلون المتن عندما يصح عندهم السند. تخيلوا كم من الناس قُتل ظلماً وزوراً عبر القرون إلى يومنا هذا تحت ذريعة ما يسمى حد الردة الذي لا يقوم إلا على روايات ظنية قيل أنَّ سندها صحيح. جرائم قتل وإرهاب تم تنفيذها عبر القرون بسبب خطأ فقهاء السلف في طريقة تعاملهم مع الروايات وأنَّه لم تكن لهم منهجية حقيقية للتعامل معها. كان الأولى بفقهاء السلف أن يتقوا الله ويحتاطوا قبل أن يبيحوا إزهاق روح إنسان لمجرد أنَّه وصلتهم روايات آحاد ظنية تبيح جريمة قتل. لو عرضوها على القرآن كما نفعل نحن هنا لما وقعوا في مثل هذا الخطأ الشنيع بتحليل قتل النفس التي حرَّم الله قتلها. فالقاعدة الفقهية تقول أنَّ الأصل في كل شيء أنَّه مباح إلا ما ورد نص بتحريمه، ولا يشذ عن هذه القاعدة إلا الدماء. فالدماء كلها حرام غير مباحة إلا ما ورد فيه نص قطعي الثبوت والدلالة يبيح إراقة تلك الدماء.
(المثال الثاني):
هذا المثال يتناول مسألة مشهورة بين المسلمين وهي البكاء على الميت. فقد اشتهر بين الناس بأنَّ الميت يتعذب في قبره بسبب بكاء أهله عليه، وسبب هذا الاعتقاد غير الصحيح هو الروايات غير الصحيحة. فقد ورد في كتب الروايات الشهيرة روايات مختلفة بالخصوص مثل ما ورد في كتاب صحيح مسلم ما روي عن المغيرة بن شعبة انه سمع النبي يقول: {من نيح عليه فإنَّه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة}.
هذا الحديث يتعارض معارضة صارخة مباشرة مع عدة آيات نذكر منها قوله تعالى:
(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ)
(مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ)
(وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)
(وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ)
وكما هو الحال في المثال الأول، فإنَّ هذا الحديث ليس فقط يتعارض مع الكثير من الآيات، وإنما أيضاً يتعارض مع كليات القرآن وقواعده الأساسية التي يرسمها عبر آيات الكتاب. فمن المبادئ الأساسية القرآنية أنَّ الإنسان يُحاسب فقط على أعماله التي اكتسبها في حياته ولا يُحاسبه الله على أخطاء غيره. البكاء وحتى ربما الصراخ أمر وارد خاصة من النساء عند فقد الحبيب والقريب، فلماذا أتعذب أنا لأنَّ زوجتي لم تتحمل خبر وفاتي وقامت بالبكاء والصراخ. الأمر ليس فيه تعارض مع القرآن فقط، بل حتى مع مبدأ عدل الله جل في علاه. لماذا يؤاخذني الله بأخطاء غيري إن اعتبرنا أنَّ عدم القدرة على التحكم في مشاعر الحزن ذنب، وهي بكل تأكيد ليست ذنب.
احتج البعض بالقول أنَّ المحرم هو ليس النواح وإنما شق الجيوب ولطم الخدود والدعوى بدعوة الجاهلية بناءً على رواية أخرى بهذه المعنى، ولكن نسي هؤلاء أنَّ المثال الذي قدمته هنا لا يتكلم عن هذا، وإنما عن النياح والنياح فقط. الحديث واضح ويقول {من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة}. وهذا الحديث ورد في كتاب صحيح مسلم وسنده حسب قواعد جامعي الحديث صحيح، ولكنَّ متنه يتعارض مع القرآن ما يثبت أنَّه غير صحيح. وحتى لو شق أهلي من بعدي جيوبهم ولطموا خدودهم ودعوا بدعوى الجاهلية بعد موتي، فهذا لا يغير من حقيقة أنَّه لا تزر وازرة وزر أخرى وأنَّ ليس للإنسان إلا ما سعى. لهم عملهم ولي عملي وهم من يحاسب على النياحة ولست أنا، وهو الأمر الثابت في كتاب الله ما يعني أنَّ هذا الحديث هو غير صحيح ويجب تركه وعدم الأخذ به. لكن للأسف يتم ترديده في كل المأتم وعلى المنابر حتى سمَّموا أفكار المسلمين ولوثوا عقولهم بمغالطات وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان.
(المثال الثالث)
ورد في كتاب البخاري وغيره ما يوافق نَصُّه ما خْرَجَهُ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد فِي زِيَادَات الْمُسْنَد وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيق الْأَعْمَش عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد النَّخَعِيِّ قَالَ: (كَانَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود يَحُكّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفه، وَيَقُول: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَاب اللَّه)
هذه الرواية ليست فقط تتناقض مع القرآن وإنمَّا حتى تطعن فيه وتروج لكون القرآن به زيادة ليست من كتاب الله. أي أنَّ هذه الرواية ليست فقط تُظهر خطأ الاعتماد على الروايات على أنَّها قطعية الثبوت بمجرد ثبوت السند، والذي لا يثبت إلا بالظن، وإنما أيضاً تثبت أنَّ الروايات لو لم ننزلها منزل الشك ونتعامل معها بعدم اليقين، فإنَّها ستكون أداة ممتازة في أيدي كل من لديه رغبة لهدم الدين وإثبات بطلان الإسلام كدين. فرواية كهذه يتم استخدامها من قِبَلِ الملحدين وغير المسلمين لإثبات أنَّ الدين الإسلامي باطل وبأنَّ القرآن محرَّف حسب زعمهم ناسين أنَّ هذه رواية آحاد ظنية لا تصلح دليل على إثبات شيء ولا لنفي شيء. طبعاً تتعارض هذه الرواية مع كثير من الآيات مثل قوله تعالى:
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)
(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)
(وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ)
(قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)
(فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا)
هذه الرواية تتعارض بشكل كبير مع ما ورد في القرآن بشأن حفظه واكتماله وأنَّه ليس قابل للتحريف ولا الزيادة ولا النقصان ولهذا لن يأتي الإنس والجن بمثل اكتمال وعظمة وتمام هذا القرآن ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً. هذا الكلام المنسوب لابن مسعود هو بكل تأكيد عارٍ من الصحة ليس تنزيهاً لابن مسعود وإنما تنزيهاً للنبي عن التقصير في التبليغ. فالقول بأنَّ أصحاب النبي اختلفوا فيما بينهم في ما هو قرآن وما هو ليس قرآن هو طعن مباشر في النبي صلى الله عليه وسلم. فلو نزل وحي على النبي ولم يبلغه لأصحابه بشكل واضح، ويطلب منه تدوينه على أنه قرآن، فهو حينها سيكون قد قصَّر في التبليغ، وحاشاه أن يفعل. لا يمكن أن نصدق أو حتى نقبل فكرة أنَّ النبي نزل الوحي بالمعوذتين ثم لم يخبر أصحابه بأنَّه جاءه وحي ولم يطلب منهم تدوينه كقرآن. لا يمكن أن يفعل النبي هذا. ليس لأنَّه فقط معصوم في تبليغ الوحي، وإنما أيضاً لأنَّه لو صدق هذا الحديث فهذا يعني أن الله عز وجل لم يستطع أن يختار الشخص المناسب ليكون أمين على تبليغ الرسالة لدرجة أنَّ أصحاب النبي اختلط عليهم الأمر فلم يعرفوا هل المعوذتين من القرآن أم لا. سبحان ربنا وتعالى عن هذا علواً كبيراً.
الخلاصة، من خلال الأمثلة السابقة يتبيَّن لنا عدة أمور مهمة كالتالي:
## لا يمكن اعتماد أي رواية والعمل بها إلا بعد عرضها على القرآن طولاً وعرضاً. فالقرآن قطعي الثبوت هو الميزان الأول الذي نختبر به صحة الروايات التي كلها ظنية.
## كان فقهاء السلف يبالغون في الاعتماد على السند وهو الأمر الغير صحيح ولهذا وقعت أخطاء شنيعة مثل استحداث ما يسمى حد الردة والذي هو استحلال إزهاق النفس التي حرم الله بسبب روايات وصلت بعنعنات ظنية.
## وقع فقهاء السلف في مغالطة كبيرة عندما جعلوا السند وسلسلة الرواة أداة لإثبات صحة الرواية أو عدم صحتها، في حين أنَّ الفعل الصحيح كان يجب أن يكون جعل السند أداة لنفي صحة الرواية فقط. فالفرق كبير بين الأمرين. فالسند وسلسلة الرواة يمكن أن نكشف بها الروايات الغير صحيحة. فوجود خلل في السند أو في سلسلة الرواة أو في صدق ودقة رجاله، وجود أي خلل هو دليل على أنَّ الرواية غير صحيحة. بينما سلامة السند من العيوب لا يعني أنَّ الرواية صحيحة لأنَّ إخلاص الإنسان وصدقه أمر غيبي يختفي في قلب الإنسان ولا يعلمه إلا الله جل في علاه، وبالتالي الجزم بصدق أحدهم وسلامة قلبه من النفاق هو أمر مستحيل. ما يعني أنَّ السند كان يجب أن يستخدم كدليل نفي الصحة وليس دليل لإثبات صحة.
## وجود أحاديث كثيرة تصنف على أنَّ سندها صحيح، ثم نكتشف لاحقاً بعد عرضها على القرآن أنها غير صحيحة، يضع علامات استفهام كبيرة على طريقة ومنهجية جمع الأحاديث ومعايير الحكم على سندها وسلسلة رواتها. على أقل تقدير، فإنَّ تصنيف أحاديث مكذوبة على النبي على أنَّ سندها صحيح، هو أمر جدي يجبرنا على مراجعة فكرة اعتماد السند كمعيار ويبيِّن لنا مدى ضعف وعدم دقة أسلوب تصحيح الروايات اعتماداً على سندها.
وفي الختام نرجو أن نكون قد وُفِقنا في توضيح هذه القاعدة الأولى على أن نستمر بإذن الله في شرح باقي القواعد الخمس تباعاً لنصل لمنهجية واضحة لطريقة التعامل مع الروايات.
طريقنا طويل نحو #السعادة ولا يهونه إلا أنها غالية وتستحق.
لا حرمنا الله وإياكم ديمومتها.. تابعونا.
هذا كلام الروافض!!!!
ReplyDeleteيطعنون في صحاح الأحاديث ويفسقون الصحابة