تمهيد القواعد الخمس لمنهجية التعامل مع الروايات (المقال المُفصَّل)
منذ يومين بدأنا بفضل الله ومِنَّته في تناول لب وأساس المرحلة الثانية في مشوارنا و المتمثل في وضع قواعد منهجية للتعامل مع الروايات. فبعد أن مهدنا أرضية تلك القواعد بطرح كل المعلومات الأساسية والحقائق والمسلَّمات المتعلقة بالموضوع، قمنا بتقديم المقال المختصر عن هذه القواعد والتي حددنا عددها بخمس قواعد. ولأنَّ مقالنا اليوم هو المقال المُفصَّل لنفس الموضوع، فيمكننا التوسع في التمهيد وشرح بعض النقاط وتقديم المزيد من الأمثلة. ومن ضمن ما أحب أن أمهد به للمقال هو إعطاء صورة عامة علوية عن المسار لكي ترتبط الأفكار التي ناقشناها سابقاً مع الأفكار التي نناقشها اليوم لأنَّ هذه النظرة العلوية العامة دائماً ما تكون مفيدة في فهم لماذا نقول ما نقوله هنا. وكذلك هي مفيدة في إبْعَاد اللبس وسوء الفهم الذي قد ينتج عن عدم إدراك الحكمة من طرح فكرة معينة لأنَّنا قد ننسى تسلسل الأفكار الذي يجعل فهم أشياء تبدو غير واضحة الآن أسهل بكثير إذا استطعنا رؤيتها ضمن صورة أكبر وأشمل والتي يمكن الوصول إليها من خلال تلك النظرة العلوية للمسار.
المهم، أنا لا أنوي الإطالة في طرح تلك النظرة من أعلى للمسار الذي نسير عليه.
بإلقاء تلك النظرة من فوق لمسار رحلتنا، سنرى أننا في المرحلة الأولى من مشروعنا قد وضعنا سبع قواعد منهجية لتدبر وفِهم القرآن. وكان من ضمن هذه القواعد السبع أنَّه عند محاولة تجديد فهمنا للقرآن بعيون عصرنا لا بعيون وعقول عصور السلف، فإنَّه من الضروري أن نستبعد الفهم السلفي المشهور والذي تم اجتراره لقرون طويلة دون تجديد.
هذا الاستبعاد لا يعني أنَّنا نريد رمي فهم السلف في سلة المهملات وأنَّنا نسعى لإنكار السُّنة و"هدم" الدين كما اتهمنا البعض زوراً وبهتاناً، بل لأننا نريد أن نرى صورة جديدة ونخرج بأفكار مختلفة هي لب ومخ التجديد وإلا فإننا سننتهي لنفس النتائج التي انتهوا هم إليها ما يعني أنَّنا لن نصل للتجديد ولن نرى الجديد.
الغرض من الاستبعاد هو إعطاء العقل مساحة أوسع للإبداع وفرصة أكبر لرؤية أشياء جديدة لأنَّ القرآن به كنوز عميقة لن يصل لعمقها الإنسان إلا إذا غاص في أعماق النصوص القرآنية بشكل مختلف عمَّن سبقوه. فمن المعروف أنَّ كلام الله جل في علاه ليس كلام عادي مثل كلامنا نحن البشر بسيط وسطحي، وإنما فيه من العمق والمعاني ما فيه، لهذا قال ربنا جل جلاله (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا). وكلكم تعرفون أنَّه يعيش بيننا نحن المسلمون فِرَق وجماعات سلفية تُحَرِّم التفكير وتُجَرِم استخدام العقل في الدين وشعارهم التقليد الأعمى والذي يُجَمِّلُونَه تحت مسمى "الاتباع"، وبالتالي هم يزندقون ويكفِّرون كل من يحاول في عصرنا فهم القرآن بعقله وعينه وليس باستعارة عيون وعقول السلف. وكنتيجة لمنهجهم في رفض الجديد والتجديد، صار لكلام ربنا معاني محدودة ليس فيها عمق ولهذا فهمها السلف وانتهى الأمر.
وبالفعل تم تحجيم القرآن وتصغيره بحيث صار كتاب محدود القيمة لا يُنتج لك معاني جديدة ولا يُخرج لك كنوز فريدة كلما تعمقت في التفكير في آياته. قزَّموا كتاب الله بحيث أنه نفذت عجائبه وفرغت كنوزه وصار له عمق سطحي وصل إليه السلف منذ أكثر من 1200 سنة وانتهى الأمر وأغُلِق الباب بأصفادٍ ومغاليق. ولأنه لا جديد فيه يُذكر ولا يمكن أن نستخرجه منه شيء غير الذي استخرجه الأولين، لم يعد أمامنا إلا أن نعتبر أنَّ الله عندما قال (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) فإنه لم يكن جاد في قوله هذا وأنَّ هذه الآية كانت مجرد حشو ولغو. سبحان ربنا وتعالى علواً كبيراً عمَّا يصفون.
على العموم، واجهتنا مشكلتان: الأولى هي أنَّ السلف اعتمدوا على الروايات بشكل مكثَّف وأساسي لفهم وتدبر القرآن ولأنَّ الروايات هي في حقيقتها قصص لأحداث محلية، فقد أدى هذا لجعل القرآن محلي المعنى والقيمة، ولهذا تجمَّد المسلمون لقرون بعد أن جمَّدوا كتاب ربهم بتجميد فهمه عن زمن معين. وبالتالي فإنَّ الروايات ساهمت بشكل كبير في هذا الجمود الفكري بسبب طريقة تعاملنا الخاطئة معها.
أما المشكلة الثانية فقد تمثلت في أنَّ أي محاولة تجديد يتم مواجهتها ومحاربتها عن طريق قذف من يدعو للتجديد بوابل من الروايات التي 99% منها آحاد ظنيَّة لكي يثبت بها السلفيون المتحجرون صحة دعوتهم للجمود والتقليد. أي أنَّ استخدام الروايات بطريقة خاطئة ووضعها في غير موضعها الصحيح أصبح هو التحدي الأكبر في وجه التجديد. ولذلك، كان لزاماً علينا قبل أن نبدأ في تطبيق قواعد منهجية تدبر القرآن، أن نضع قواعد لمنهجية التعامل مع الروايات التي بالفعل قد دشّنا مرحلتها ووصلنا اليوم لوضع قواعد خمس للتعامل معها.
الآن وبعد هذا التمهيد الموسع والنظرة العلوية للمسار، يمكن فهم ما يجري وأين نحن سائرون. وها نحن الآن نقدم تلك القواعد.
وقبل أن نبدأ نريد أن نُعرِّف بعض المصطلحات لكي يسهل فهم القواعد. وهنا لدينا مصطلحات أربع هي:
المتن - التبليغ – الدين – التدين
أما المتن، فيقصد به مضمون الرواية من ناحية المعنى الذي تقود إليه بغض النظر عن السند
والتبليغ، فسيتم شرحه مفهومه من خلال المقال نفسه
وبالنسبة للدين والتدين، فيمكن الرجوع لمقالنا المنشور سابقاً بالخصوص لفهم ما نعني بهما.
والآن دعونا نبدأ. فكما وضعنا قواعد منهجية لتدبر وفِهم القرآن الكريم وناقشناها قاعدة قاعدة، سنفعل نفس الشيء هنا بوضع القواعد الخمس التالية بشكل مختصر على أن نقدم تفاصيل كل قاعدة في مقال منفصل. وهذه القواعد الخمس مرتبة ترتيب اختباري مُلزم من الناحية المنطقية. فالقواعد التالية لا تعمل بشكل منفصل عن بعضها، وإنما تعمل بشكل متصل مرتب، بحيث نطبق القاعدة الأولى على الرواية، فإن لم تصمد، تم ترك الرواية وثبات عدم صلاحيتها. أمَّا إذا صمدت الرواية أمام القاعدة الأولى، نقوم بعدها بعرضها على القاعدة الثانية. إن لم تصمد، تركناها، وإن صمدت، مرت للقاعدة الثالثة. وهكذا حتى يتم عرضها على القواعد كلها، مع الانتباه إلى أنَّ القواعد الثلاث الأولى هي لأخذ أو ترك الرواية، بينما القاعدتان الرابعة والخامسة هما لتوظيف طريقة استخدامها إن مرت بسلام من قواعد الاختبار الثلاث الأولى.
على العموم سيكون الأمر أوضح بعد عرض هذه القواعد الخمس التالية، والتي سنقدم لكل منها مثال من الروايات الواردة في الكتب التي تصنف على أنها صحيحة:
القاعدة الأولى: عرض متن الرواية على النص القرآني وكليات القرآن
اعتقد أنَّ هذه هي أسهل القواعد وأكثرها وضوحاً ومنطقية. فبعرض متن الحديث على النصوص القرآنية والقواعد الكلية التي يرسمها القرآن على طول الكتاب وعرضه، فسنكون قادرين على رؤية أي تناقض بين المعنى الذي تفيده الرواية، وبين كليات وقواعد القرآن. ففي حال ثبت التناقض بين متن الرواية وبين القواعد القرآنية التي تعبر عن الخطوط العريضة للدين، يمكن حينها إهمال الرواية ورفضها مهما علت درجة صحة سندها.
كمثال: هناك رواية وردت في سنن الترمذي تقول عن عمرو بن خارجة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خطب على ناقته فسمعته يقول : " إنَّ الله أعطى كل ذي حق حقه، ولا وصية لوارث."
يتعارض هذا الحديث تعارض مباشر تام ويصطدم بقوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ).
ففي حالة التعارض مع القرآن سيكون العمل الرشيد الممكن هو رفض هذه الرواية الظنية الآحاد عند هذه القاعدة الأولى وبالتالي لا نحتاج لعرضها حتى على باقي القواعد الأربع الباقية.
القاعدة الثانية: عرض متن الرواية على المنطق الإنساني العقلي المشترك
وهنا تعتبر هذه القاعدة هي المرحلة الثانية في اختبار صلاحية الرواية من عدمها. فإذا لم نجد ما يعارضها في القرآن، ولكنها كانت تصطدم مع العقل والمنطق الإنساني المشترك، سيثبت حينها عدم صلاحية الرواية للاستخدام في أي شيء لأنَّ الأخذ بها يعني أننا لم نحترم عقولنا التي هي مناطق التكليف بالدين في المقام الأول.
كمثال: هناك رواية في صحيح البخاري تقول (حدثنا نعيم بن حماد حدثنا هشيم عن حصين عن عمرو بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قِرْدة اجتمع عليها قِرَدة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم).
وهنا لا أعتقد أن عاقلاً يقبل مثل هذا الكلام فضلاً عن قبول ما يسمونه "الرجم" للزاني المحصن. وبغض النظر عن فكرة الرجم التي لابد وأننا سنتناولها يوماً ما بتفصيل أكبر، إلا أن فكرة أن يتم نسب فعل بشري محض خاص بالإنسان العاقل المكلف، هذا الفعل اسمه "الزنا" والذي تم نسبه للحيوانات، هي فكرة قمة في السذاجة وفيها قدر كبير من الاستخفاف بالعقل البشري.
وهنا لا أعتقد أن عاقلاً يقبل مثل هذا الكلام فضلاً عن قبول ما يسمونه "الرجم" للزاني المحصن. وبغض النظر عن فكرة الرجم التي لابد وأننا سنتناولها يوماً ما بتفصيل أكبر، إلا أن فكرة أن يتم نسب فعل بشري محض خاص بالإنسان العاقل المكلف، هذا الفعل اسمه "الزنا" والذي تم نسبه للحيوانات، هي فكرة قمة في السذاجة وفيها قدر كبير من الاستخفاف بالعقل البشري.
ولأنني أعرف أنَّ بعض السلفيين حاولوا تبرير وترقيع رواية البخاري لأنَّ كل ما ورد في البخاري عندهم مقدس، فأريد من هؤلاء قبل أن يعترضوا أن يشرحوا لنا كيف يتم عقد قران شرعي بين قرد وقردة بطريقة شرعية حتى يصبحا زوجان بشكل "شرعي" بحيث يتم رجم من يمارس منهما الجنس مع غير زوجه من القرود!!
القاعدة الثالثة: عرض متن الرواية على الحقائق العلمية والتاريخية التي ثبت صحتها
هذه القاعدة تمثل تَفَحُّصِ متن الرواية عن طريق عرضها على الحقائق العلمية الثابتة التي انتهى الجدل العلمي في الأوساط العلمية حول صحتها من عدمه. وبالحقائق العلمية هنا نعني أي علم سواء علم تطبيقي كالفيزياء والكيمياء و الأحياء والرياضيات، أو علم إنساني مثل التاريخ والجغرافيا وعلم النفس والاجتماع. ففي حال تعارض متن الرواية مع أي حقيقة علمية، فإنه يتم تركها كونها تقدم مفاهيم باطلة من الناحية العلمية. وهنا يجب التنبيه إلى أننا هنا نقصد متون الروايات التي تتناول شأن من شؤون الطبيعة والحياة الملموسة والمحسوسة وليست تتناول أمر من أمور الغيب. فالعلم لا يتعامل أصلاً مع الأمور الغيبية؛ ولهذا لا يصلح أن نستخدمه لتقييم رواية تتكلم عن أمور غيبية غير ملموسة وغير محسوسة كتلك التي تتحدث عن الجن والملائكة والجنة و النار.
كمثال: هناك رواية في البخاري تقول قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: ( تدري أين تذهب؟) قلت : الله ورسوله أعلم، قال: ( فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها : ارجعي من حيث جئتِ، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى (الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم).
مثل هذا الكلام لا يمكن أن يصدر عن رسول الله لأنَّ رسول الله لا يؤلف مثل هذا الكلام غير الصحيح بالمطلق من دماغه. فالكل يعرف اليوم أنَّ الشمس لا تغيب أصلاً ولو لجزء من الثانية عن الأرض. فعندما تغرب الشمس عن بقعة ما على وجه الأرض، فهي تشرق في ذات نفس اللحظة في بقعة أخرى على الأرض وبالتالي كل القصة التي ألفها أحدهم ونسبها للنبي تتعارض مع حقائق علمية انتهى الجدل حولها في الأوساط العلمية مثل حقيقة دوران الأرض حول نفسها والذي يسبب ما يسمى غروب وشروق الشمس.
وبالمناسبة، فإن السلفيين والمتحجرين على فهم السلف مازالوا يصرون ليومنا هذا على أن الأرض ثابتة لا تدور وأن الشمس هي التي تدور حول الأرض. هذا فقط للتذكير بطريقة تفكير هؤلاء وما وصلوا إليه بسبب تعطيل العقل.
القاعدة الرابعة: تحديد نوع الرواية من ناحية التبليغ
هنا نحن تبدأ قواعد التوظيف بالعمل لأننا بالوصول للقاعدة الرابعة فإننا نفترض أنَّ الرواية مرت بسلام بعد عرضها على القواعد الثلاث الأولى. وبالتالي نحن الآن لا نبحث عن صلاحية الرواية من ناحية إمكانية الوثوق بصدق ما ورد فيها من عدمه؛ إذ أن مصداقية الرواية تحددها القواعد الثلاث الأولى فقط. وإنما نحن الآن نبحث عن مضمون الرواية وإمكانية أن تكون متناولة لشأن من شؤون الدين أم أنها تروي حادثة وقصة لا علاقة لها بالدين. فإذا كانت الرواية تتحدث عن قصة عادية ليس فيها أي شأن ديني، حينها يمكن تصور أنها قد تكون مفيدة من ناحية البحوث التاريخية أو الاجتماعية، ولكن لا نستخدمها لإثبات أو نفي شيء في الدين كونها أصلاً لا تتحدث عنه. وللتنبيه هنا أيضاً، فإنه قد يحصل أن نستفيد من الرواية لفهم شيء في الدين، إذا أنتجت لنا البحوث التاريخية والاجتماعية نتائج علمية يمكن استخدامها لفهم وتدبر القرآن. حينها ستصبح الرواية لها بعد ديني لكن غير مباشر.
كمثال: ما ورد في البخاري أيضاً قوله "حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة".
فلو سلمنا بصدق هذه الرواية التي فيها جانب غير عقلاني وأغفلنا حقيقة أنها لن تمر عند عرضها على القاعدة الثانية التي تعرض الرواية على العقل، لو قبلنا بالرواية (وهي لا تُقبل) فإنها لا تحمل أي معنى ديني ولا يوجد لها أي فائدة ولا علاقة لها بأي شأن ديني.
القاعدة الخامسة: تحديد ما إذا كانت الرواية تختص بالدين أم بالتدين
كما وضَّحنا قبل سرد القواعد، فنحن هنا نفترض حسب تسلسل القواعد أنَّ القاعدة مرت بسلام خلال القواعد الثلاث الأولى، وأنه بعرضها بعد ذلك على القاعدة الرابعة يمكن معرفة أن لها علاقة بالدين أم لا. فإذا اكتشفنا أنَّ الرواية لها علاقة بالدين، فحينها سنحتاج لعرضها على قاعدتنا الخامسة لمعرفة في أي شأن تتحدث هذه الرواية. فقد تكون الرواية تتناول شأن من شؤون الدين نفسه، أو قد تكون تتناول شأن من شؤون التدين.
فكما نعلم أنَّ الدين كما عرَّفناه يقدم الجزء الثابت الغيبي من الرسالة، بينما التدين يقدم الجزء المتغير الاجتهادي من النبوة. وهذا التمييز سيؤثر كثيراً في طريقة توظيف الرواية من ناحية تدبر القرآن واستنباط المفاهيم والأحكام المستخرَجة من القرآن.
لن نستطيع تقديم مثال هنا لأن الأمر يحتاج إلى بسط الشرح بشكل أكبر لكي يعطي المثال توضيح منطقي للقاعدة الخامسة. فكما ترون، لقد أصبح المقال أطول من اللازم، ولا يمكن أن أزيده ليكون أطول من ذلك. لكن كما ذكرت، فإن كل قاعدة من القواعد الخمس سيكون لها مقال منفصل نغطي فيه القاعدة بشرح أوفى، وأمثلة أكثر وبالتالي سنجد المساحة لتقديم أمثلة على القاعدة الخامسة عندما نتناولها بمقال منفصل.
بفهم هذه القواعد الخمس لمنهجية التعامل مع الروايات، سنكون قد وصلنا لنقطة تحرج كل من رمانا بأننا ننكر السنة ونسعى لهدمها. فالذي لديه الحد الأدنى من الذكاء يمكنه من الآن ومن خلال الشرح المختصر للقواعد الخمس أعلاه أن يكتشف أننا لسنا فقط نضع قواعد لطريقة الأخذ بالروايات أو ما يسمونه اصطلاحاً للسُّنة، وإنما أيضاً نضع قواعد لطريقة توظيف ما يصلح منها. أي أننا نريد أن نتعامل مع الروايات ونعمل بها طالما كان الأمر يخضع لقواعد منهجية منطقية منضبطة. فتطوير قواعد التعامل مع الروايات هو ما نحتاجه للخروج من أزمة اجترار آراء الأولين والتكاسل عن تجديد قواعد الفهم والاستنباط والتي وضع فقهاء السلف رحمهم الله مثيلاً لها يتناسب مع الأرضية المعرفية والقيمية التي كانوا يقفون عليها في زمانهم، ولكن ليس لقواعدهم ديمومة الصلاحية لتصلح في زمننا. فما يصلح لكل زمان ومكان ويخترق حواجز الزمن ولا تنتهي صلاحيته هو كلام ربنا العظيم وحده فقط جل في علاه. أمَّا أفهام البشر وآرائهم هي محدودة محدودية قدرة الإنسان المخلوق الضعيف، ولا تتجاوز حدود الزمان ولا حتى المكان. فلا شيء يسافر عبر الزمان كما هو إلا القرآن فقط لا غير. وما عدا ذلك كل شيء يتجدد ويتغير مع الزمن.
نكتفي بهذا القدر اليوم على أن نعود إليكم بمقال التفاعل مع التعليقات والأسئلة، والتي أتوقع المزيد منها بعد هذا المقال المفُصَّل بأمثلته.
سائرون بإذن الله نحو #السعادة قاصدين ديمومتها وليس شذراتٍ منها. مشوارنا مستمر بإذن الله.. فتابعونا.
No comments:
Post a Comment