قاعدة عرض الروايات على الحقائق العلمية الثابتة (المقال المختصر)

قاعدة عرض الروايات على الحقائق العلمية الثابتة (المقال المُختصَر)

نصل اليوم لمحطتنا الثالثة في سلسلة قواعد منهجية التعامل مع الروايات. قاعدتنا اليوم تمثل المعيار الثالث أو الميزان الثالث لتقرير ما إذا كان يمكن الأخذ بالرواية أو أنَّه يجب تركها. القاعدة الثالثة تقول:

القاعدة الثالثة: عرض متن الرواية على الحقائق العلمية والتاريخية التي ثبت صحتها

يمكن من خلال اسم القاعدة أن نستشف البعد الأساسي لهذه القاعدة، حيث يبدو جلياً أنَّه بعد عرض الرواية على القرآن والعقل، فإنَّه يأتي دور الاختبار العلمي لها. فقد تمر رواية من الروايات قيل أن سندها صحيح من عرضها على القرآن بسلام بحيث أننا نستنتج أنها لا تعارض آيات القرآن ولا كلماته. وبعدها تمر على القاعدة الثانية التي تختبر توافقها مع العقل أو ما أسميه المنطق الإنساني المشترك، فإنَّ مرت أيضاً، ستكون الخطوة التالية في اختبار الرواية هو عرضها على ما انتهى الجدل حوله في الأوساط العلمية وصار حقيقة ثابتة. ولأنَّنا هنا في صدد تقديم المقال المختصر، فلن نتوسع في الشرح، وسنذهب مباشرة للأمثلة على أن نقدم مزيد من الشرح والتوضيح في مقالنا التالي المُفصَّل.
لكن قبل أن ننطلق للأمثلة يجب توضيح أمر جوهري كي لا يتم إساءة فهم القاعدة. فنحن هنا نؤكد على أنَّ مشروع قواعد منهجية التعامل مع الروايات يهدف لوضع الروايات الموضع الذي يليق بها من الناحية العلمية والعقلية بحيث لا يتم تقديسها كما حدث ويحدث لقرون. وبالتالي نحن لا نسعى لإنكار السُّنة أو رمي الروايات جملةً وتفصيلاً كما قد يتبادر إلى أذهان البعض. و للتأكيد على ذلك، فإنَّنا نعرف أنَّ الدين والوحي والقرآن جاء ليغطي الجانب الغيبي في حياة الإنسان و جيب عن بعض تساؤلاته ويساعده لفهم البُعد المعنوي الروحي والغيبي من الحياة. فالقرآن ليس كتاب علم ولا هو مقصود في أصالته أن يتعامل مع الماديات. في المقابل، فإنَّ العلم يتعامل مع الماديات ولا علاقة له بالغيبيات لأنَّ العلم يدرِّس ما هو محسوس وملموس وقابل لإخضاعه للتجربة المعملية وما يمكن دراسته في المختبرات العلمية. ولهذا يمكن بكل بساطة رؤية أن كل من العلم والدين يعملان في مجالان لا علاقة لأحدهما بالآخر.

بناءً على ما تقدم، فإنَّ الروايات التي تتكلم عن الغيب أو تتعامل مع الأمور الغيبية لا يصح ولا يصلح أن نعرضها على الأمور العلمية الثابتة كون العلم التجريبي لا يستطيع أن يقدم أي تقييم للرواية التي تتناول أمور غيبية مثل الروايات التي تتكلم عن الجنة والنار والحساب والآخرة والجن والملائكة. هذه الأمور كلها غيبية ما يعني أنَّنا لا نعرضها على التجربة العلمية الثابتة. الروايات التي يتم عرضها على العلوم الثابتة المقطوع بصحتها هي تلك التي تتعامل مع الأمور المادية والمحسوسة والملموسة. حينها، فإنَّ الرواية يجب إخضاعها للعلوم الثابتة لنتأكد من عدم تعارضها مع ما هو ثابت علمياً بشكل مقطوع به.

والآن دعونا نقدم الأمثلة على روايات تتعارض مع العلم لنبيِّن حقيقة أنَّ الروايات لها طبيعة ظنية تجعلها عرضة للخطأ مهما صح سندها. ولهذا يجب أن تبقى الروايات أداة للاستئناس وليست أداة للفصل القطعي اليقيني.

المثال الأول:
هناك رواية في البخاري تقول قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس : ( تدري أين تذهب ) . قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : ( فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فتستأذن فيؤذن لها ، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها ، وتستأذن فلا يؤذن لها ، يقال لها : ارجعي من حيث جئت ، فتطلع من مغربها ، فذلك قوله تعالى( الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ))
المثال الأول:
هناك رواية في البخاري تقول قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس : ( تدري أين تذهب ) . قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : ( فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فتستأذن فيؤذن لها ، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها ، وتستأذن فلا يؤذن لها ، يقال لها : ارجعي من حيث جئت ، فتطلع من مغربها ، فذلك قوله تعالى( الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ))

هذا مثال صارخ واضح على رواية مكذوبة على رسول الله تسربت لكتاب البخاري. فالبخاري بشر وجهده جهد بشر ولهذا قد يثق في رجال سلسلة الرواية ويرى أنهم ثقات لا يكذبون، في حين أنه بعرض الرواية على الحقائق العلمية المقطوع بثبوتها سنقف أمام حقيقة أنَّ أحد الرجال الذين صنفهم البخاري على أنهم عدول صادقين هو كذّاب يكذب على رسول الله ويقوِّله ما لم يقل. وثبوت أنَّ أحد رجال السلسلة كذّاب هو كثبوت حقيقة أن الشمس لا تغرب عن الأرض أبداً. وسنوضح الأمر في نقاط:

## الغروب والشروق لا يحدثان أصلاً نتيجة لحركة الشمس ولا علاقة له بالشمس وإنما له علاقة بدوران الأرض حول نفسها. فتعاقب الليل والنهار الذي نراه بأعيننا ناتج عن دوران الأرض حول محوراها.
## الشمس عندما تغرب في مكان ما على وجه الأرض، فهي تشرق في نفس ذات اللحظة في مكان آخر وهي أصلاً في وسط السماء في ذات نفس اللحظة في مكان ثالث. أي أنَّ ما ظهر في الرواية من كلام عاري عن الصحة تماماً.
## الشمس تغرب في كل لحظة عن مكان ما على وجه الأرض وهو أمر لا يتوقف ولا يتغير ويحدث على مدار اليوم والليلة حسب الأماكن المختلفة على وجه الأرض. وبالتالي بشكل علمي دقيق، فإنَّ الشمس في حالة غروب مستمر وفي حالة شروق مستمر لأنَّ الأمر غير مرتبط بحركة الشمس، وإنما بدوران الأرض حول محورها.

المثال الثاني:
روى البخاري أيضاً عن سعد أنَّ النبي قال: (من اصطبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر)
وبطبيعة الحال فلا يمكن أن يكون مثل هذا الكلام قد صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم. فكلنا نعرف أنَّ السم يضر إن لم يقتل. ولا يمكن لإنسان أن يتناول سم أو يُدس له سم إلا ومات أو تضرر. وحتى لو افترضنا حصول حالات نادرة (إن وجدت) لم يؤثر فيها السم على أناس بعينهم، فهذا الأمر ليس عام على كل الناس. أي أن أي إنسان يتناول السم سواء بمحض إرادته أو بدسه له، فإنه سوف يموت أو يتضرر. لا يوجد أي سبب علمي يربط بين تناول التمر وبين إبطال عمل السم. بل ولا يوجد أي شيء منطقي يربط بين عدد السبع تمرات وبين عدم التأثر بالسم. ولهذا فإنَّه لا شك في أنَّ هذا الحديث قد كذبه أحد رجال سلسلة البخاري على رسول الله، وحصل أنَّ البخاري اعتبر كل رجال الحديث ثقات وعدول ولهذا دوَّنه في كتابه. وهذا خطأ من ضمن الكثير من الأخطاء التي وقع فيها ألبخاري والذي يعد أفضل من جمع الروايات عن كثير من المحققين. وهذا يثبت بالطبع أننا على حق في الحاجة لمراجعة الروايات ووضعها الموضع الذي يليق بها وعدم تقديسها تقديس آيات كتاب الله جل في علاه.
المثال الثالث:
ومازلنا مع البخاري إذ روى (عن أنس بن مالك أنَّ أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما ).
وهذا حديث يمكن إثبات كذبه بكل سهولة من خلال الحقائق التاريخية الثابتة في حياة الإنسانية. فمن ألف الحديث وكذبه على رسول الله نسي أنَّ القمر يراه كل أهل الأرض. و أنه لو حصل أنَّ النبي قد شق القمر لكفار قريش حسب طلبهم، فإن القمر مرتفع بالكفاية ليراه ملايين البشر الذين يسكنون حينها في منطقة الشرق الأوسط بأسرها لأنَّ جزء كبير من الليل مشترك بينهم. لو حصل أنَّ القمر قد انشق، فلابد وأن تزخر به كتب المؤرخين وسيتحول أصلاً لتاريخ يستخدمه البشر لتحديد أزمنة حصول الأحداث. بل كان لابد وبدون أدنى شك سيتحول هذا الحديث لحديث متواتر ينقله جموع عن جموع وتزخر به كتب الروايات والمؤرخين. لكن أن تصل حادثة ضخمة بضخامة انشقاق القمر عن طريق رواية آحاد ظنية، فهو دليل على أنَّ هذه الرواية ما هي إلا محض كذب وتلفيق. وهي دليل آخر على أنَّ البخاري ومن جمع الروايات كانوا يحسنون الظن بسلسلة رجال الروايات ويصنفونهم على أنهم عدول في حين أنَّ بينهم كذّابين يختلقون الروايات من رؤوسهم.

نكتفي بهذا القدر البسيط لأنَّ هذا هو المقال المختصر على أن نقدم المزيد من التفاصيل بإذن الله في المقال القادم عن قاعدتنا الثالثة من قواعد منهجية التعامل مع الروايات. 
نسأل الله لكم #السعادة ودوامها.. فتابعونا.

التفاعل مع تعليقات مقال عرض الروايات على المنطق الإنساني المشترك

التفاعل مع تعليقات مقال عرض الروايات على المنطق الإنساني المشترَك

في مقال اليوم سوف نتفاعل مع التعليقات والأسئلة الواردة على موضوعنا الأخير والذي تناولنا فيه القاعدة الثانية من قواعد منهجية التعامل مع الروايات. فكما تعلمون، فإنَّ القاعدة الثانية تأتي في الترتيب ثانياً كأداة تقييم لإمكانية الأخذ برواية ما أو تركها. فالمقياس الأول للتقييم سيكون هو عرض الرواية على القرآن، فإن لم يكن هناك ما يعارضها في القرآن، يتم بعدها عرض الرواية على المنطق الإنساني المشترك أو ما يمكن أن نسميه "العقل". وهنا تبرز نقاط مهمة نحتاج للتعليق عليها من خلال العرض التالي:

كعادة السلفيين ومن يدور في فلكهم أو يتعاطف مع أفكارهم، فإنَّ هذه القاعدة تمثل بالنسبة لهم رعب وارتباك وحتى غضب. فالسلفيين وكل تيارات التطرف لديهم ما يسمونه قاعدة تقول "تقديم النقل على العقل".  بالطبع عندما نطبق قاعدتنا الثانية والتي نعرض فيها الرواية (النقل) على العقل، فإننا بذلك نكون قد خالفنا أحد أهم قواعد منهجهم التقليدي في التقليد.  فحسب منهجهم فإنَّ النقل، وعلى رأسه الروايات، يجب أن يحجب العقل لأنهم يعتقدون أنَّه يجب عليهم "التسليم" والسمع والطاعة و"الاتباع" حتى لو لم يكن الأمر معقول. كمثال، رواية رجم القرود التي تناولناها في المقال السابق هي نقل، ورغم أنها غير معقولة وتصطدم بالمنطق والعقل، إلا أنَّ منهجهم يدعو للتسليم بها واستخدامها كأحد الأدلة لإزهاق النفس البشرية بطريقة وحشية بشعة برميها بالحجارة حتى الموت.

طبعاً يمكن ببساطة إثبات فساد هذا المنهج اللاعقلي الذي يطلب من الإنسان التجرد من عقله في حضرة الروايات. هم يستخدمون مصطلحات مثل "التسليم" و"الاتباع" لإقناع أنفسهم والآخرين بأنَّهم يقومون بالعمل الصواب عندما يعطلون عقولهم. لكن دعونا نحلل هاذين المصطلحين ولنسأل أنفسنا هذا السؤال المهم. "التسليم لمن واتباع من؟" 
لو نظرنا للقرآن فسنجد بكل وضوح وبدون لف أو لي لأعناق الآيات، أنَّ التسليم لا يكون إلا لله الحق، فالتسليم لا يكون إلا للحق المبين وليس هناك أحق من الله الحق وحده لا شريك له. حتى الأنبياء أنفسهم نحن لا نسلم لهم، وإنما نسلم لله الحق الذي لا ريب فيه وليس أدل على ذلك من بعض هذه الآيات المختارات في كتاب الله جل في علاه:
(إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
(فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ)
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)
(قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
(قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

التسليم بمعنى الانصياع والخضوع لا يكون إلا للخالق الحق جل في علاه وليس لمخلوق. ولو ركزنا على الآية الأخيرة بخصوص ملكة سبأ، فهي سلّمت مع سليمان ولم تسلّم لسليمان عليه السلام، فهناك فرق كبير بين أن تسلّم لسليمان وبين أن تسلّم معه. فهي أسلمت مع سليمان بمعنى أنها انضمت لسليمان في تسليمه لرب العالمين. وبالتالي مصطلح "التسليم" الذي يستخدمه السلفيون والمتطرفون لإقناع أنفسهم أو إقناعنا بأنه يجب علينا "التسليم" لما جاء في الروايات هو مصطلح مضلل يستخدمه شيوخهم عن جهل أو للتجهيل. 

الروايات ظن ولم تكن يوماً ما يقين. الحق لا ريب فيه، والروايات ليست حق لأنها ظنية لا تغني عن الحق شيئاً. ألم يسمع هؤلاء قول الله جل في علاه عندما قال (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)؟ ألا يعلمون أنَّ كتاب الله هو الكتاب الوحيد الذي يوصف بأنه الحق الذي لا ريب فيه وأنَّ كل كتاب غير كتاب الله فيه ريب؟ حتى فقهاء السلف كلهم عليهم رحمة الله ليس فيهم من رفع كتاباً غير كتاب الله لدرجة اللاريب. كلهم يعلمون أنَّ الكمال لله ولكتاب الله وأنَّ النقص والريب في غير الله وكل كتابٍ غير كتاب الله جل في علاه.
وبالتالي فإنَّ مصطلح "التسليم" الذي يستخدمه السلفيين والمتطرفين هو مصطلح مضلل باطل لأنهم يريدوننا أن نسلّم للروايات تسليماً وكأنها حقاً مبيناً، وهي كلها من أولها لأخرها ظنية الثبوت فضلاً عن كونها كلام بشر. وقد تناولنا من قبل مسألة أنَّه لا وحي يخص الدين الملزم لنا إلا في كتاب الله فقط لا غير وقدَّمنا على هذا الكثير من الأدلة والمقالات. ولهذا فإنَّ التسليم العقلي لا يكون إلا لله الذي ليس لنا ما ننسب له غير القرآن العظيم فقط لا غير.

أما مصطلح "الاتباع" فهو أيضاً يستخدمه السلفيون والمتطرفون لخداع أنفسهم أو خداع الناس وهم أصلاً لا يعرفون ما يفعلون. فليس كل اتباع حق خاصة إذا كان هذا الاتباع هو اتباع الآباء والتجمد على التراث والموروث. وإليكم نماذج "الاتباع" للأولين في القرآن في قوله تعالى:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا)
(اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ)
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ)
(ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ)

ليس كل اتباع محمود خاصة إذا كان تقليداً أعمى لآبائنا الأولين. فالتقليد الأعمى لما جاء به الأولون يؤدي للتحجر والجمود ويقف عثرة في طريق التقدم والتطوير في الفكر الإنساني وفي حياة الإنسانية بشكل عام. "الاتباع" الحق يكون كما وصفه الله تعالى في قوله:
(فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)
(ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ)
(قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ)
(وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)
(قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
(وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ ۚ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)
(وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)
(وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
(قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ)

آيات كثيرة جداً تتكلم عن اتباع الحق المبين وليس الظن. هذا هو الاتباع، وهو أن نتبع الحق الذي لا ريب فيه والذي نعلم يقيناً أنه لا يوجد إلا في كتاب الله. من يدعي بأنَّ هناك شركاء لكتاب الله يدعي أن فيها الحق المبين وأنه لا ريب فيها، فهو لم يكذب علينا فقط، بل ويُكذِّب قول الله جل في علاه عندما قال (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ). نحن أنفقنا أسابيع طويلة لتقديم أدلة قاطعة ومسلَّمات أثبتنا من خلالها ظنية كل الروايات على بكرة أبيها، وأنها لا يمكن أن ترقى لدرجة اليقين وأنَّ فقهاء السلف كلهم اجتمعوا على أنه لا يوجد حق قطعي الدلالة إلا كتاب الله جل في علاه وأنَّ كل الروايات هي ظنية لا يقين لصلتها برسول الله، ولذلك، فإنَّ اتباع الروايات والتسليم لها هو شِرك بالله، ولكن أكثر السلفيين لا يعلمون. فحالهم كحال من قال فيهم الله جل في علاه (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ).
.
الخلاصة هي أنَّ أغلب المعترضين على قاعدة عرض الروايات على المنطق الإنساني المشترك والتي نعني بها اختصاراً عرضها على العقل، المعترضين على هذه القاعدة حجتهم الكبرى هي أنهم يرون أنَّ الروايات الظنية مقدمة على العقل لأنهم يظنون أنه يجب التسليم والاتباع لما جاء في الروايات الظنية. و قد بيَّنا أعلاه أن "التسليم" و"الاتباع" هما مصطلحان لطالما تم تضليل عوام السلفية بها وضل بهم كل من سمع لهم وعطَّل عقله.

في الختام أتمنى أن تكون فكرة حجية العقل وعلّوه على الروايات الظنية أصبحت واضحة وبالتالي فإنَّ عرض هذه الروايات على العقل هو العمل الرشيد الذي يُلّزِمُنا الله به. 
الله عدل ..... الله حق .... ولا يمكن أن يُلزمنا إلا بالعقل وليس بالظن ..... فلو تركت رواية ظنية مهما تغزلوا في صحة سندها، فلن يحاسبني الله على تركها لأنها ظن والله لا يحاسب على الظن. ما سيحاسبنا الله عليه هو أن نعطل عقولنا ونسير خلف الظن على عمى.
مسيرتنا مستمرة نحوها. نعم.. نحو #السعادة.. ومن غيرها؟!.. فهي وجهتنا ودوامها هدفنا.. فتابعونا.

عرض الروايات على المنطق الإنساني المشترك (المقال المُفصّل)

عرض الروايات على المنطق الإنساني المشترك (المقال المُفصَّل)

حسب تسلسل طريقتنا في النشر، فإنَّنا اليوم بصدد تقديم المقال المُفصَّل لموضوع القاعدة الثانية من قواعد منهجية التعامل مع الروايات. وقبل الخوض في الموضوع، أحب أن أذكِّر بالمسار الذي نسير فيه كي يعرف الفضليات والأفاضل المتابعين الجدد في أي سياق نتكلم. فكما يلاحظ الجميع ينضم لصفحتنا كل يوم المئات من المتابعين الجدد وقد لا يتم فهم الغاية من المقال أو إساءة فهم الغاية من تناول الموضوع لأنهم لا يعرفون السياق الذي يسير هذا المقال من ضمنه. فالبعض يدخل ويجد عرض بعض الروايات الغير صحيحة التي وردت في كتب الحديث، فيتكون لديهم انطباع خاطئ عن أنَّ هدف المقال هو ما يسميه البعض "هدم السنة" أو "إنكارها" أو تلك التهم المغلفة الجاهزة لرمي كل من يبحث عن مخرج من التقليد والتلقين واجترار عمل فقهاء السلف عليهم رحمة الله دون فحص ولا تجديد ولا مراجعة. 

مقالنا هذا يأتي ضمن سلسلة مقالات لمناقشة قواعد منهجية التعامل مع الروايات والتي هي نفسها سلسلة من ضمن سلسلة من منهجيات تجدد فهمنا للقرآن بعيون عصرنا لكي لا نستمر في استعارة عقول الأولين وسرقة جهدهم الرائع في زمانهم والذي لا يصلح لزماننا إلا بعد تجديد وفحص وغربلة. (فللأولين عقول نحن نملكها وللعطايا دروبٌ لا تنقطع).

على العموم, اليوم نعرض القاعدة الثانية ومحطة الاختبار الثانية والتي هي:
(القاعدة الثانية: عرض متن الرواية على المنطق الإنساني العقلي المشترك)
كما أوضحنا من قبل، فإنَّ قواعد الخمس لمنهجية التعامل مع الروايات يتم تطبيقها بشكل متسلسل وليس بشكل عشوائي. أي أنَّنا هنا نفترض أنه يوجد بين أيدينا رواية وتم عرضها على القاعدة الأولى وهي العرض على القرآن، وأنَّ هذه الرواية مرت بحيث لم يكن فيها تعارض مع شيء من القرآن، فحينها تمر للقاعدة الثانية ويتم عرضها على المنطق الإنساني المشترَك. الخطوة التالية يُفترض أن تكون عرضها على المنطق الإنساني العقلي المشترَك. وهنا ركَّزت على ثلاث مفردات مهمة في تعريف القاعدة، وهي الكلمات الثلاث (المنطق-الإنساني-المشترك) وهنا أنا لا أريد أن أقدم تعريف علمي أكاديمي للمنطق، ولكن لتبسيط الأمر نحن بحاجة لتقديم تعريف سهل بعيد عن تعقيدات علم الفلسفة والمنطق. فما نقصده هنا بالمنطق هو تماسك الأفكار من ناحية الدلالة والاستدلال. 
بمعنى آخر، يجب أن يقدم نص الرواية اللغوي مدلول متماسك فكرياً سواء من ناحية الفكرة المستوحاة من نص الرواية، ومن ناحية الاستدلال في الربط بين النص بمدلوله اللغوي الاجتماعي، وبين الأفكار المستخرجة منه. وحتى لو لم يكن تعريفي هذا واضحاً بالكفاية، فالأمثلة إن شاء الله ستكون كفيلة بتقديم توضيح أفضل.

وبالعودة للمصطلح الثلاثي (المنطق-الإنساني-المشترك), فإن "المنطق" في حد ذاته يظل عرضة للاختلاف بشكل أو بآخر؛ ولذلك أضفت كلمتي (الإنساني- المشترك). فـ "بالإنساني" و بـ "المشترك" قصدت التعميم بحيث أن يكون قياس منطقية نص الرواية غير مرتبط بدولة ما أو ثقافة معينة أو وضع مجتمعي في حد ذاته. فإنَّ بعض الأشياء يمكن أن تُصنَّف على أنها منطقية في مجتمعٍ ما، بينما هي غير منطقية في مجتمع آخر مع إمكانية أن يكون كلا التصنيفين صحيح. 
ولكن بطبيعة الحال هناك أشياء إنسانية مشتركة وفطرية يتفق على منطقيتها أو عدم منطقيتها كل إنسان لديه عقل متوسط القدرة. وهذا هو المقصود بالمنطق الإنساني المشترك. وبالتالي نحن نقصد المنطق العام للإنسانية والذي يشكل بشكل فطري طريقة تقييم تماسك الأفكار من عدمه.

وقبل تقديم الأمثلة نحتاج لإعادة توضيح نقطة مهمة، وهي أنَّ الأمثلة التي اخترناها هنا هي لروايات تتعارض مع المنطق الإنساني المشترك. البعض، ولأنَّهم يسمعون كلام قد يستفزهم لمخالفته ما تعودوا على سماعه، يظن أنني أبحث عن الثغرات والعثرات والثقوب التي في الروايات تمهيداً لنسف الروايات جميعاً وللطعن في السنة وتدمير الدين. للأسف مثل هذا النمط من التفكير موجود ولهذا نحتاج للتعامل معه. وبالتالي أقول لمن لديه هذا النمط من التفكير أن عرض الروايات التي تُعارِض المنطق أو التي تُعارِض القرآن كما قدمنا في المقال السابق، عرض هذه الروايات المُعارِضة للمنطق هو للتوضيح وللشرح. فلا يمكن شرح قاعدة تَعَارُض رواية مع المنطق بدون تقديم رواية بالفعل تُعَارِض المنطق. هذا يُفترض به أنَّ يكون واضحاً بأبسط قواعد المنطق، لكن للأسف البعض تحركه العاطفة وتتدخل في تفكيره المشاعر ولا يفهم ما نقدمه من أفكار ضمن سياقها. شرح التَّعَارُض يقتضي تقديم تَعَارُض ما يعني أنَّ تقديمي لروايات تُعَارِض المنطق ليس الهدف منه هدم الدين أو إنكار السنة أو التخلص من الروايات، الهدف منه هو توضيح وشرح كيف يمكن لرواية أن تتعارض مع المنطق أو مع القرآن.

والآن دعونا نقدم بعض الأمثلة التي ستضع نقاط التوضيح على حروف الأفكار المجردة.

المثال الأول:
ورد في كتاب صحيح البخاري رواية تقول:
(حدثنا نعيم بن حماد حدثنا هشيم عن حصين عن عمرو بن ميمون قال رأيت في الجاهلية قِرْدة اجتمع عليها قِرَدة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم).

طبعاً هذا مثال لرواية تتعارض بشكل واضح صريح مباشر لا لبس فيه مع أي منطق إنساني مشترك. فبغض النظر عن أن الرواية هي لشخص اسمه عمرو بن ميمون بعضهم جعله صحابي وبعضهم جعله تابعي، إلا أنَّ المهم هو أنَّ البخاري نقل الرواية في كتابه الذي عنونه هو بعنوان "الجامع الصحيح". أي أنَّ البخاري من غلاف كتابه يخبر القارئ أنَّ ما بين الجلدتين هو ما جمعه من الصحيح. ونحن هدفنا بالطبع أن نضع قواعد منهجية لتقييم الروايات لأنَّ طريقة فقهاء السلف في تقييمها واستخدامها لم تكن سليمة وأبعد ما تكون عن المثالية التي يدعيها البعض لهم.

المهم, فإنَّ البخاري قد دوِّن الرواية في كتابه على أن سندها صحيح وهذا بشكل بسيط يعني أنَّ البخاري يقول أنَّ سلسلة من جاء في عنعنة الرواية هم ثقات صادقون وعدول لا يكذبون، في حين أنَّ مدلول الرواية التي نتناولها نحن هنا هو مدلول غير منطقي ولا يصح عقلاً ما يعني أن أحداً ما، أو بعض رجال السند، ألّف هذه الرواية واختلقها من خياله لأنها ببساطة لا يمكن أن تكون أحداثها قد حصلت. وإليكم الأسباب المنطقية لعدم إمكانية حدوث ما ورد في الرواية:

## القِرَدة حيوانات غير مكلفة لا تعقد قرآن ولا تكتب عقود زواج لكي يكون ممارستها للجنس حلال أو حرام. حتى لو جاء أحدهم وقال أنَّ هناك بعض الحيوانات يحصل بينها نوع من أنواع الارتباط الفطري، إلا أننا هنا نرفض فكرة الإيحاء الذي جاء في الرواية بأنَّ هناك "خيانة زوجية" في عالم الحيوانات.

## القِرَدة حيوانات غير مكلفة ليس عليها مؤاخذة أو ذنب على أي شيء تفعله وبالتالي لا حدود تشريعية عقابية على أفعالها. لكنَّ الرواية تخترع سلوك حيواني جماعي يقتل فيه مجموعة من الحيوانات حيواناً بعينه ضمن شريعة عقابية. هذا التسخيف والتسطيح والاستهزاء بالعقل البشري هو الأمر المستهجن بشكل أكبر من كون القصة مختلقة ومنسوبة للدين.

## القِرَدة مثل باقي الحيوانات سوف تهرب بمجرد بدء عمرو بن ميمون الرجم معهم أو أنها سوف تهاجمه. لا أعرف إن كان هناك من يصدق أنَّ حيوانات برية تسمح لإنسان أن ينضم إليها وهو مدجج بالأسلحة (حجارة)، ثم يقوم بقذفها دون أن يسبب لهم هذا الأمر فزعاً.

المثال الثاني:
ورد في كتاب صحيح مسلم الرواية التالية:
عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَقْطَعُ الصَّلاَةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ )
هنا نفس الشيء يحصل مع مسلم الذي سمى كتابه "الصحيح" كما فعل البخاري والتي توحي للقارئ بأنَّ كل ما ورد صحيح السند بحيث أنَّ كل الرجال في سلسلة الرواية وعنعنتها هم صادقون عدول موثوق في ما يقولون. في حين أنَّ الرواية أعلاه لا يمكن أن تكون قد حصلت فالنبي لا يمكن أن يصدر عنه مثل هذا الكلام المعيب الذي يخلوا من أي فكرة منطقية مترابطة يمكن لدلالة الحديث أن تقدمها. ولتوضيح عدم منطقية ما جاء في الرواية نقدم النقاط التالية:

## جمع المرأة مع الحمار والكلب بهذا الأسلوب لا يمكن أن يصدر عن نبي قال فيه الله جل في علاه (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ). من غير المنطقي على الإطلاق أن يكون النبي خلوقاً وحكيماً ثم يصدر عنه كلام بهذا الشكل ليحشر النساء وسط حيوانات مثل الكلاب والحمير والتي تعتبر محط احتقار وتقليل قدر عند العرب قديماً وحديثاً.

## الحديث نفسه يتناقض مع عدة روايات أخرى تتحدث عن أن أي شيء يمر أمام المصلي دون وجود حائل يقطع صلاته، ما يؤكد أن تخصيص الحمار والكلب والمرأة أمر غير منطقي ولا يحمل أي معنى منطقي متماسك يمكن أن يخرج من فم النبي الذي هو مشهود له بأعلى درجات الأخلاق والحكمة. من غير المنطقي أن يصدر مثل هذه الكلام سيء التركيب معيب المعنى من شخص بأخلاق وحكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

## فكرة قطع الصلاة نفسها غير واضحة وغير منطقية إلا إذا كان المقصود منها قطع الخشوع والتركيز في الصلاة، فإن كان الأمر كذلك، فما علاقة ذهاب الخشوع والتركيز بالمرأة أو الكلب أو الحمار؟؟؟ أي شيء أكان أنس كرجل أو حيوان كقطة أو جماد كالتراب الكثيف الذي قد تحمله الريح، كلها تقطع التركيز في الصلاة والخشوع، فلماذا المرأة بالذات؟؟؟

وإن قال أحدهم قطع الصلاة حصل بسبب نجاسة أو شيطان، فلماذا المرأة وما علاقة النجاسة بمرور امرأة أو مرور حتى رجل؟؟ و ما علاقة الحمار بالنجاسة؟؟ ولو جئنا للشيطان، فحتى لو افترضنا ربط نهيق الحمار برؤية شيطان كما ادعت رواية أخرى، فما علاقة مرور حمار هادئ بقطع الصلاة وهو ليس نجس ولم يرى شيطان ولا يختلف مروره عن مرور قطة أو دجاجة؟؟؟ ثم إنَّ الحمار الذي ينهق حسب رواية أخرى لأنه رأي شيطان، فهل هذا يحول الحمار لشيطان حتى يقطع الصلاة دون غيره من الحيوانات؟؟؟ بصراحة لا يوجد ذرة منطق ولا عقل في هذه الرواية ولا يمكن لرواية ظنية آحاد مثلها إلا أن تكون مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المثال الثالث:
فقد ورد في البخاري ما روي عن أنس مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَنَسٍ : أَوَ كَانَ يُطِيقُهُ ؟ قَالَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ )
وفي كتاب صحيح مسلم وردت الرواية عن أنس أنه قال (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ)
وهنا عدة أمور غير منطقية لا يقبلها لا عقل ولا منطق وسنعددها في النقاط التالية:
## هناك احتمالان لا ثالث لهما لفهم هذه الرواية. إمَّا أنَّ النبي كان يدخل على نسائه يجامع كل واحدة منهن ويخرج يخبر أنس بأنه كان في الداخل يجامع زوجته. وإمَّا أن أنس كان يتلصص ويسترق السمع وبالتالي عرف أنَّ النبي كان في غرفة زوجته يجامعها. هي أمَّا هذه وإمَّا تلك، فأنس لن يعرف إلا إذا اخبره النبي أنه كان يجامع زوجاته، أو أن أنس كان يتلصص ويتصنت وبالتالي عرف. وكلا الاحتمالين كارثة.

## رواية البخاري تعتبر أسوأ من ناحية إضافة أنس أنَّ أصحاب النبي كانوا يتحدثون عن قدراته الجنسية ويقدرون أنَّ النبي لديه قوة جنسية تعادل قوة 30 رجل!. وهنا تعطي الرواية انطباعاً عن أنَّ هذه من عادات النبي المتكررة لدرجة أنَّ كل أهل المدينة يعرفون أنَّ النبي يدخل على زوجاته يجامعهن بشكل متتالي ولهذا هم يتحدثون عن أنه يملك قوة جنسية تعادل عشرات الرجال. وهنا يتكرر نفس السؤال وهو كيف عرفوا أنَّ النبي عندما يدخل دار إحدى زوجاته فإنَّه كان يجامعها؟... هل كل من يغلق بابه على زوجته يجامعها، أم أن هناك أمور أخرى قد تحصل مثل أن يتحدثا أو يلعبا أو ربما حتى يأخذان غفوة معاً. كيف عرفوا أمور خاصة جداً نحن نوقن أنَّ النبي لا يخبرهم بها ولا هم الذين سوف يسترقون السمع ليعرفوا لأنَّ هذا فيه قمة قلة الأدب وقلة الاحترام لخصوصية رسول الله.


## لو تغاضينا عن طريقة معرفة سكان المدينة معلومات عن حياة النبي الجنسية الخاصة، فرواية البخاري تعطي انطباعاً واضحاً بأنَّ هذا أمر متكرر وليس أمر عابر، أي أنَّ النبي كان يجامع زوجاته دفعة واحدة. أليس هذا يتعارض مع ما نعرفه من باقي الروايات بأن النبي كان لديه قسم بين زوجاته؟ فهناك الكثير من القصص التي وردت في كثير من الروايات يمكن أن نستخلص منها بسهولة أنَّ النبي كان يخصص لكل زوجة يوم، وبالتالي هذا يتعارض مع دورانه على زوجاته جميعاً في نفس اليوم. النبي كان قائد سياسي وقائد عسكري قبل أن يكون رسول قدوة يحمل هم رسالة سماوية عظيمة، فهل تتماشى رواية كهذه مع نمط حياة إنسان عظيم بعظمة النبي صلى الله عليه وسلم؟

الخلاصة من هذا المثال الثالث هي أنَّ رواية كهذه لسنا نبرئ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وحتى أنس نفسه. فلا يوجد إساءة أشد للنبي وأصحابه من وضعنا بين أن نختار إمَّا أنَّ النبي كان يحكي للناس أشياء عن أمور حياته الجنسية الخاصة التي لا علاقة لها بالدين، أو أنَّ أصحابه كانوا بارعين في التلصص والتصنت ويستطيعون معرفة ما يفعل النبي خلف باب بيته المغلق عليه!

لنكن صرحاء وصادقين مع أنفسنا، هل من يعمل بجد ويبذل جهد لتنقيح وتنظيف الروايات من كل هذا الكم الهائل من الإساءات للرسول ولأصحابه هو من يحارب الدين وينكر السنة ويسعى لهدم الإسلام، أم الذين يستشيطوا غضباً ويسلون أقذع من يمكن أن تحمله ألسنتهم من شتائم ولعن في وجوهنا دفاعاً عن هراء مثل الذي ذكرناه في الأمثلة الثلاث أعلاه؟ من هو الذي يخاف على الإسلام وعلى الدين، نحن أم هم؟ هم فقط حراس للعادات والتقاليد ومستعدون لشن حرب شعواء دفاعاً عن التقليد. لا يهمهم إلا أن لا يمس أحد مقدساتهم والتي هي ما وجدوا عليه آبائهم فهم على آثارهم يهرعون.

 ما يمكن أن نستخلصه من خلال الأمثلة المقدمة أنَّ عرض الرواية على المنطق الإنساني المشترك تعتبر خطوة أساسية نتفحص بها رواية آحاد ظنية يُظن أنها حدثت. فما كان في أصله ظني ووجدنا صعوبة في استساغته عقلاً ومنطقاً، فمن الأفضل تركه خاصة أننا نعرف أن الظن لا يغني من الحق شيئاً وأنَّ الله عدل حكيم لا يحاسب على الأمور الظنية.

ونختم مقالنا وكلنا ثقة أنَّ الله لم يعطينا عقول لنحفظ أو نقلد، بل لنفكر ونطوِّر. سبحانه أنعم علينا بعقول لنصل #للسعادة وتكون مُدَاوِمَة الحضور في قلوبنا. فمن فكَّر أكثر، فهم أكثر وتعلم أكثر. ومن فهم أكثر طالت سعادته، وإن داوَم دامت. دمتم ودامت سعادتكم.. فتابعونا.

مفهوم علاقة الرسول بمن جاء بعده

مفهوم علاقة الرسول بمن جاء بعده   ها قد عدنا للمقالات بعد توقُّف دام لقرابة الشهرين. فقد أثَّر افتتاح قناة اليوتيوب وإعداد الحلقات...