تمهيد الدخول على أوَّل حقل أشواك في مشوار السعادة
قبل أن أدخل في موضوع اليوم، أحب أن نلقي نظرة بسيطة معاً على ما أنجزناه في مشوار المحور الثاني لتدريب العقل على مداواة استدعاء شعور الطمأنينة والسعادة من القلب مهما كانت الظروف من حولنا.
وفي نفس الوقت، نريد أن نستعرض بعض من خطواتنا القادمة إن شاء الله في مشوار #السعادة.
ما أنجزناه حتى الآن كان الوقوف على حقيقة أنَّ عقولنا يمكن تدريبها على أن تشعر بالطمأنينة والسعادة من خلال محورين.
المحور الأول: هو تغيير بعض عاداتنا المتكررة الغير نافعة بأخرى نافعة. واستعرضنا بالخصوص كيف ندرب عقولنا على أن تتعود على أن تفكر في ما يمكن أن يحدث من إيجابيات عند حدوث أمر مزعج أو حلول مصيبة.
وكان المحور الثاني: هو فِهم أفضل لأنفسنا وما حولنا لأنَّ السبب الرئيسي وراء عدم شعورنا بالسعادة في الحقيقة يرجع لكوننا إمَّا نجهل حقيقة الأشياء ومنها أنفسنا، أو أننا نمتلك فِهم غير صحيح لأنفسنا وما حولنا. ولأنَّ هذا الفهم غير صحيح، فمن الطبيعي ألَّا نشعر بالراحة ولا بالسعادة لأنَّ ردات فعلنا على الأشياء التي تحصل لنا ستكون بكل تأكيد غير صحيحة؛ لأنها مبنيَّة على تفسير وفِهم غير صحيح لأنفسنا وما حولنا. وكما يقولون، ما بُنِيَ على باطل فهو باطل.
المهم هو أنَّ عدم فهمنا فهم صحيح لأنفسنا وما حولنا، سيتسبب دائماً بأن ردة فعلنا لما يحصل حولنا ولنا ستكون موجهة دائماً في الاتجاه الخطأ كنتيجة طبيعية لجهلنا بأنفسنا وما حولنا أو لفهمنا المغلوط لهما. لذا وجب أن نتعلم حقيقة أنفسنا وما حولنا إن كنا نجهل، أو نصحح مفاهيمنا إن كان فهمنا لأنفسنا وما حولنا مغلوط.
ولتصحيح الوضع، أو لبدء مشوار فِهم أنفسنا وما حولنا، كان يجب أن ننطلق من قواعدنا المعرفية التي نبني عليها فهمنا للأشياء. وقواعدنا المعرفية ما هي إلا مجموعة مسلَّمات تخضع للمنطق الإنساني المشترك. إنَّ فٍهمُ هذه المسلمات هو ما سيساعدنا على تنظيف قواعدنا المعرفية التي نبني عليها فهمنا للأشياء فهماً صحيحاً يمكّننا من فهم صحيح لأنفسنا وما حولنا.
نحن بالفعل بدأنا في عرض ثلاث مسلَّمات وهي مسلمات التراكم المعرفي والتراكم القيمي والتطور الإنساني. والآن صار بمقدورنا الانطلاق للخطوات التالية، والتي سأحاول أن أضع بعض ملامحها أمامكم. فنحن بالوصول لفهم المسلمات الثلاث، يمكننا الآن أن نتناول ما يمكن أن نسميه مسلمة رابعة أو ربما يمكن أن نعتبرها نتيجة للمسلمات الثلاث.
أياً كان، المهم هو أننا سنبني على هذه المسلَّمات مفهوم التطور الذهني والقدرة الذهنية والتطوُّر الأخلاقي للأجيال، وهو الموضوع الذي سنتناوله غداً بإذن الله تعالى. نريد أن نرى كيف تسير الأمور مع الزمن. ولكي أجعل المسار أوضح، فنحن مهتمون بمعرفة ما يمكن أخذه من الأجيال السابقة وما يمكن البناء عليه وما يتوجب علينا تركه.
فكما أسلفنا في مقالات سابقة، إنَّنا نحن الشعوب الإسلامية نعيش عصور من التخلف، ونتذيل كل شيء إيجابي، ونقف في صدارة معظم الأمور السلبية، والذي ينتج بصورة كبيرة عن جمودنا فكرياً وتحجُّر عقولنا عند نمط تفكير عقيم يجتر الماضي الذي أجتره الآباء والأجداد لقرون طويلة دون تطوير أو تغيير.
إنَّ مخالفة سُنَّة الحياة التي وضعها الله، والتي هي أن كل شيء يجب أن يتغير ولا يثبت و أنَّ الوحيد الذي لا يتغير ولا يتبدل هو الله وحده فقط لا شريك له في هذا الأمر، هذه السُّنَّة الكونية التي وضعها الله تكافئ من يسعى بنفسه للتغيير والتطوير بأن يتغير حاله من حسن لأحسن، بينما من يركن للخمول وتعطيل العقول لن يبقى في مكانه رغم كسله ومقاومته للتغيير.
فحتى الكسالى الذين يقاومون التغيير ويختارون الثبات على حالهم وأفكارهم دون تطوير، سوف لن يبقوا مكانهم. ستعاقبهم سنة الله في عدم ثبات شيء على حاله بأن يتغيروا ويتحركوا ولكن للأسوأ. أولئك الذين يجْمدون و يتجمدون يظنون أنهم ثابتون على شيء، بينما هم في حركة مستمرة دون أن يدركوا. فهم لا يدركون أنهم يتحركون في اتجاه الأسوأ. والأسوأ من ذلك أنَّهم لا يدركون حتى أنَّهم يتحركون. فهم يظنون أنفسهم ثابتون. وليسوا ثابتون فقط، بل يظنون أنَّهم ثابتون على الحق ويا لها من كارثة! فكل الأمم السابقة التي قاومت التغيير ورفضت التطوير وأصر أهلها على الثبات على ما وجدوا أنفسهم عليه، كانت تتمسك بالثبات على ما تركهم عليه آبائهم وأجدادهم؛ فهو أيسر طريق لتجنب العمل والتعب والتفكير في التغيير والكد في انجازه. فسبحان الله، إنَّها سُنَّة كونية تتكرر ولن تجد لسنة الله تبديلاً. انظروا لقوله تعالى ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11) كَذَٰلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ)
وانظروا لقوله جل في علاه (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا)
فوجود أقوام وأناس سلبيين كسالى لا يريدون أن يعملوا أو يتعبوا أو يجتهدوا، فيقاومون أي تغيير أو تطوير، ويفضلون السكون والثبات على ما تركهم عليه الآباء والأجداد، وجود أمثال هؤلاء لا يخلوا منهم زمان ولا مكان؛ ولهذا، سمى الله هذه الظاهرة سُنَّة الأولين.
وبالعودة لفِهم أنفسنا وما حولنا، فإنه يجب ألَّا نستغرب أن يختلف معنا البعض ويعارضنا معارضة شديدة، وحتى ربما يقومون بشيطنتنا لأننا سنقوم في الأيام القليلة القادمة بمس "ثوابتهم" التي يريدون الثبات عليها، والتي هي أصلاً اجترار لثوابت الآباء والأجداد التي لا يريدون أن يُدخلوا عليها أي تطوير أو تغيير في محاكاة لعبادة الأصنام والحجارة. فالأصنام ليست بالضرورة أن تكون حجارة يقدسها الإنسان، ولكنها يمكن أن تكون أفكار يقدسها الإنسان. ولهذا نرجو سعة الصدر. ومن كان يظن أنه على حق، فلن يضيره أن يفتح عقله للتفكير والتأكد من حقيقة ما يظن أنه حق. إن كان واثقاً من أنه على حق، فالحق سيكون غالب بالمنطق الإنساني المشترك. لكن لأنهم لا يثقون بأنهم لا حق، يخافون من نبش الأفكار التي تحجرت في عقولهم؛ لأنَّ نبشها سيؤدي لرؤية ما لا يحبون، وعمل ما لا يرغبون في عمله. فاكتشافك بأنك لست على حق ستعني أنك ستبحث عنه وهو ما يريدون تجنبه لأنَّ البحث حركة وتعب، جهد وكد، ووقت وتفكير. وهم طبعاً لا يريدون سوى الثبات على ما هم عليه وما تركهم عليه الآباء والأجداد.
غداً بإذن الله ننطلق في أوَّل محطة مثيرة لعقول الباحثين عن #السعادة، ومخيفة للباحثين عن فراش وثير يكملون عليه رحلة ثباتهم على الحال الذي تركهم عليه الآباء والأجداد.
غداً بإذن الله ننطلق للسير على أول حقل أشواك في طريقنا متسلحين بحب التغيير والرغبة في التطوير والسير على سُنَّة الله الذي لا يدوم ولا يثبت على حال غيره سبحانه.. فتابعونا.
No comments:
Post a Comment