محور فهم أنفسنا وما حولنا: مسلمة تطور الإنسانية
كما وعدناكم بالأمس، فإننا سنبدأ تناول المحور الثاني من محاور تدريب عقولنا على استخراج الشعور بالسعادة من مستودعها القلبي ... ومحورنا الثاني هذا هو محور شاق و طويل و سيستغرق منَّا وقت وجهد وعمل.
ولذلك فإن متابعة المقالات بشكل منتظم ستكون شيء محوري لإنجاز فهم هذا المحور بنجاح، وكما تلاحظون، ولتسهيل المهمة علينا في مراجعة الأفكار, فقد أنشأنا مدونة خاصة بالصفحة نقوم بنسخ المقالات فيها.
فتتبع المقالات في مدونة الصفحة أسهل بكثير من محاولة الرجوع للمقالات القديمة على الفيسبوك؛ فأرجو حفظ رابط المدونة لكي يسهل الرجوع لأي مقال بسهولة في حالة أننا احتجنا للإشارة بالرجوع لمقال محدد فيه فكرة محددة نناقشها في مقال جديد.
الرابط هو التالي:
(www.know2plan.com)
(www.know2plan.com)
المهم، دعونا الآن نبدأ بمحورنا الثاني لتدريب العقل على اسحتضار شعور السعادة في معظم لحظات يومنا وليلنا. وكما أشرنا في مقال الأمس، الأمر ليس بالسهل تقبله و فهمه لأن أكبر آفة بين شعوب العالم الإسلامي هي أننا نحتكم لمشاعرنا لفهم وتحليل الأفكار أكثر مما نلجأ للمنطق العقلي المجرد. لهذا السبب سوف نبدأ بتدريب عقولنا على الاكتفاء بالمسلَّمات التي تخضع للمنطق الإنساني المشترك، والتوقف أو التقليل لأقصى حد ممكن من إدخال العواطف والمشاعر في طريقة تفكيرنا.
المسلَّمة الأولى التي سننطلق منها هي مسلمة تطور الإنسانية، فالإنسانية تتقدم مع تقدم الزمن والوجود، أي لا يمكن أن تتقدم الإنسانية بعكس عقارب الساعة.
المسلَّمة الأولى التي سننطلق منها هي مسلمة تطور الإنسانية، فالإنسانية تتقدم مع تقدم الزمن والوجود، أي لا يمكن أن تتقدم الإنسانية بعكس عقارب الساعة.
ما أود قوله هو أنَّ إنسان اليوم هو أكثر تقدماً من الناحية المعرفية ومن الناحية القيمية الأخلاقية من إنسان ما قبل المائة سنة. وإنسان ما قبل المائة سنة هو أكثر تقدماً وتطوراً من إنسان ما قبل الألف سنة. وإنسان ما قبل الألف سنة لابد وأنه يفهم و لديه قيم أفضل من إنسان ما قبل العشرة آلاف سنة.
لا أتصور أن هذا الأمر يمكن الاختلاف عليه و لهذا سميناه هنا مسلَّمة، فالحياة تتطور بتقدم عقارب ساعة الزمن، وتكون أقل تطوراً بالرجوع بعقارب الزمن للسير للخلف.
مثال بسيط لكي تتضح الرؤية: إنَّ إنسان اليوم من الناحية المعرفية لديه معرفة تمكِّنه من أن يرى بعينه ويتكلم مع إنسان يبعد عنه جغرافياً مسافة 10,000 كيلومتر، بينما معارف إنسان ما قبل 300 سنة كانت أقل بكثير، حيث أنه كان يحتاج للسفر عدة شهور ليرى بعينه إنسان يبعد عنه 10,000 كيلومتر ويتكلم معه. ومن الناحية القيمية الأخلاقية، فإنَّ إنسان اليوم أيضاً يُجرِّم و يعاقب أي إنسان يقوم ببيع و شراء أخيه الإنسان، بينما قبل 300 سنة فإن بيع و شراء الإنسان لأخيه الإنسان كان تجارة رائجة لها أسواق في كل مكان في العالم.
وبالرجوع للخلف سنرى نفس الشيء. أي أن عجلة التقدم المعرفي والأخلاقي تسير للأمام وليس للخلف.
للأسف، إنَّ أحد الآفات التي تضُر بالمجتمع الإنساني هو رفضه للتطوير وحبه وركونه لما تربى عليه ووجد عليه آبائه وأجداده. وهي مشكلة كسل وقلة همَّة أكثر منها مشكلة قناعة. فالإنسان يميل بطبيعته للراحة ولهذا لا يحب التغيير؛ لأن التغيير يعني حركة وعدم جمود، والحركة تعني جهد ووقت وتعب.
لذا من الأسهل على عقل يتحكم فيه الخمول، أن يقاوم أي اتجاه نحو التطوير وسيخترع هذا العقل مئة حجة وحجة ليبرر رفضه للتطوير والذي يعني التغيير.
و لنكون أكثر دقة، فالإنسان يكره التطوير وليس التطور، لأن التطوير على وزن تفعيل فيه حركة وفعل كثير، ولا يأتي من تلقاء نفسه مثل كلمة تطوُّر على وزن تفعُّل و الذي يعطي انطباع عن حدوث الأشياء من تلقاء نفسها.
لو نظرنا بشكل عميق لما حدث في التاريخ، فسنرى بوضوح أن كل الرسل والمصلحون على مر التاريخ الذين جاءوا بأفكار جديدة تختلف عن ما تعود عليه الناس، لاقوا معارضة شديدة، وتمت حتى محاربتهم لمنع التغيير ولو بالقوة.
وسبحان الله، لو تصفحنا كتاب الله و تدبرنا قصص الأوَّلين فيه، لرأينا كيف أنَّ آفة الأمم كانت تكمن في رفضهم لتغيير ما وجدوا عليه آبائهم، وأنهم كانوا يتمسكون بما ورثوه وتربوا عليه، ليس لاعتقادهم أنهم على صواب، بل لأنهم يدركون أن التغيير له ثمن ولكنهم لا يريدون دفعه.
أنظروا لقوله تعالى: "بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ"
وقوله جل في علاه" :وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ"
وقوله سبحانه: "قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ"
لو بحثنا في طول الكتاب وعرضه فسنجد أنَّ أكثر شيء حذرنا منه الله في كتابه هو أن نتبع ما وجدنا عليه آبائنا أو أن نقاوم التغيير دون حتى التفكير فيما جاء به الرسل و المصلحون.
والآن ربما من تصور أن مسلَّمة اليوم هي أمر بسيط وسهل وطبيعي ولا يحتاج منَّا لكتابة مقال لنقتنع به ولا يحتاج حتى لنقاش. إلا أنه بعد السرد التاريخي لمسيرة الإنسانية والبحث في القرآن، سنجد أنه رغم بساطة الفكرة لدرجة أنها بالفعل تُعتبر مسلَّمة، إلا أنَّ الشعوب والأمم عبر التاريخ كانت تعمل العكس وتستنكر هذه المسلَّمة. فتطور الإنسانية يسير للأمام نحو المستقبل، ولكنَّ الأمم تميل للرجوع للخلف وتحارب التطوير لأنهم يدركون أنه تغيير حقيقي، وهم ليس لديهم رغبة في بذل الجهد والتعب أو تغيير نمط حياتهم الذي تربوا عليه ووجدوا عليه آبائهم. مصداقاً لقوله جل في علاه ":قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ."فالأمم لم تكن تكذِّب الرسل والمصلحون كما كانوا يدَّعون، وإنما كانوا يجحدون بالآيات رغم أنهم يعلمون أنها الحق في قرارة أنفسهم.
لم تكن المشكلة في الأصل مشكلة تكذيب وعدم اقتناع، بقدر ما هي مشكلة إدراك لحجم المسئولية والجهد المطلوب إن هم اظهروا تصديقهم لما جاء به الأنبياء والمصلحون.
وهنا نصل لخلاصة مقال اليوم، وهي أنَّ الإنسانية تتطور مع تقدم عجلة الزمن للأمام وتتخلف بالرجوع لعقارب الساعة للخلف.
هذه مسلمتنا الأولى التي نحن بحاجة ماسَّة إلى استحضارها في مشوارنا لفهم أفضل لأنفسنا وما حولنا لندرب عقولنا على العيش في #سعادة نابعة من صميم القلب بعد عملية استدعاء عقلية ناجحة لها.
غداً إن شاء الله نواصل المسير وننتقل للمسلَّمة الثانية وهي بناء على مسلَّمة اليوم.
غداً بإذن الله جل في علاه نناقش مسلَّمة التراكم المعرفي والقيمي. فتابعونا نحو طريق أوضح للوصول إلى #السعادة .
No comments:
Post a Comment