مشوار السعادة و طريقة تدريب العقل على مداومة الشعور بها

مشوار السعادة وطريقة تدريب العقل على مداومة الشعور بها
فلنستكمل المسير يا رفاق الدرب
وقبل أن أبدأ، أريد أن نتشارك شعور الحماسة كل ما تقدمنا خطوة للأمام. فكل خطوة في الاتجاه الصحيح ستكون اتجاهها إلى الأعلى. ولكي نرتفع لابد لنا من طاقة تدفعنا لمزيد من العلو؛ لهذا فليحمس بعضنا بعض وأقل ما يمكن فعله هو الكلمة الطيبة المتفائلة في كل تعليق. فلا أفشيكم سراً إن قلت لكم، كم تشحنني وتسعدني تعليقاتكم الإيجابية. إنَّه لأمر رائع أن أرى كل هذا الكم من التفاعل، والروح الإيجابية، والتفاؤل في الغالبية العظمى من تعليقاتكم.
بصراحة، أبهرتني روحكم العالية.
ولنبدأ خطوتنا لليوم. فقد وقفنا عند تدريب عقولنا على استخراج شعور السعادة من القلب. واليوم سنضع خطة للتدريب ستنفعنا جميعاً بإذن الله.

الخطة تعمل على محورين:
المحور الأول: هو تعليم العقل أن يفعل شيء بشكل متكرر بحيث يتحول مع الوقت لعادة إيجابية مكتسبة.
المحور الثاني: هو التعرُّف أكثر على أنفسنا وكل ما حولنا في خطة تعليمية تزيد من قدرة العقل على فهم الأمور على حقيقتها.
ولكي نكون عمليين، فسنبدأ بالمحور الأول اليوم وسنرى كم يوم يحتاج منا لننجز فهم هذا المحور.
تدريب العقل، وأوَّل ما نريد أن نعرفه في مجال تدريب العقل هو حقيقة أنَّ عقلنا يتكون من كيانين. العقل الواعي والعقل الباطن.
فالعقل الواعي هو الذي يتعامل مع كل ما يحصل في محيطنا؛ وبالتالي يقوم باتخاذ قرارات بكل ردَّات فعلنا تجاهها.
أمَّا العقل الباطن فهو الذي يتحكم في شعورنا وأحاسيسنا لأنه خزَّان التجارب.
فعلى سبيل المثال، أنت عندما تلمس شيء دائري أحمر اللون ساخن لأول مرة لن تتردد يدك عن لمسه لعدم وجود سابق معرفة، ولهذا فإنَّ العملية ستكون تحت تحكم العقل الواعي. وبمجرد أن تحرقك حرارة ذلك الشيء، فستبعد يدك بشكل تلقائي لأنَّ العقل الواعي تلقى إشارات الألم عن طريق الموصلات العصبية.

ولأنَّ التجربة حدثت للمرة الأولى، فإنَّ العقل الباطن لا توجد في مخزنه أي معلومة بالخصوص ولهذا هو لا يتدخل ويترك كل العمل للعقل الواعي. ولكن وبعد التجربة الأولى، فإنَّ العقل الباطن سيكون قد سجل تلك التجربة. الجميل في الأمر هو أنَّ العقل الباطن سيستنسخ ردة فعل العقل الواعي ويخزنها هي أيضاً، أي أنَّ المُخزِّن الآن هو أي جسم له نفس المواصفات (دائري أحمر مثلاً) سيجعل العقل الباطن يرسل صورة من شعور الألم نتيجة لمس شيء ساخن، وكذلك سيرسل ردة الفعل وهي سحب اليد.

لهذا وعند تكرار التجربة في الواقع، فإنَّ الإنسان سيسحب يده تلقائياً إن رأت عينه جسم مشابه للجسم الذي لمسه في المرة الأولى. هنا لم يحدث شعور بالألم لأنَّ اللمس لم يحصل؛ وبالتالي العقل الواعي لم يتلقى إشارات عصبية من الجلد، وإنما تلقى صورة من الشعور بالألم أرسلها له العقل الباطن وأيضاً أوامر مطابقة لردة الفعل من إبعاد اليد والتي حصلت في المرة الأولى.

طبعاً وبعيد عن دقة المثال السابق من الناحية العلمية، إلا أنني أحببت أن أضع صورة مشابهة لما يمكن أن نقوم به من تدريب لعقولنا بعد تخيُّل طريقة عمله من خلال المثال السابق. والآن دعونا ندخل في مثال تدريبي يمس مشوارنا ومشروعنا لخلق السعادة.
فلو حصل وفقد أحدنا وظيفته التي يعمل بها كموظف في إحدى الشركات. بالطبع لن أقول لكم هلّم بنا نرقص ونغنِّي ونشعر بالسعادة ولنحتفل بما حصل. بكل تأكيد ليس هذا ما اقصد، وهو أصلاً ليس الشيء الذي نريد أن نتدرب على فعله.


كل ما نريد أن ندرب عقولنا على فعله هو أن تصبح قادرة على استدعاء شعور السعادة من القلب، أي أننا نريد لعقولنا أن تتعود على استدعاء الشعور بالسعادة والراحة النفسية بغض النظر عما يحصل حولنا. كيف يمكن أن ننجح في المهمة؟ فقد خسرنا الوظيفة وقد ندخل في مشاكل مالية في وقت قريب. الجميل في الأمر هو أنَّ عملية التدريب بسيطة، ولكن تحتاج منا لصبر قبل أن نرى النتائج. فالحياة لا تعطي النجاح مجاناً وإلا لكان أكبر الرابحين هم الكُسالى.

فكرة التدريب هي مبنية على حقيقة أنَّ عقولنا الباطنة قد خزنت تجارب صعبة كفقد الوظيفة من مرات سابقة مشابهة سواء مررنا بها نحن أو حدثت لمن حولنا. ولأنَّ عقلنا الباطن لا يخزن التجربة فقط، وإنما يحزن أيضاً ردة فعلنا لها والتي غالباً  ما تكون شعور بالحزن والاكتئاب، فإنه سيسيطر علينا شعور بالحزن والاكتئاب بمجرد حصول الأمر لأنَّ هذا هو الأمر المخزن في عقلنا الباطن.

ولتغيير هذا الوضع، يمكن أن نجبر عقلنا الواعي على السير في الاتجاه المعاكس لنجعله يشعر بالسعادة والرضا بدل من الحزن والاكتئاب. الفكرة هي أنَّ عقلنا الباطن سيقوم بتخزين الشعور المصاحب للحدث، أي أنه سيخزن شعور الرضا والسعادة رغم أنَّ الحادثة هي حادثة محزنة. فكما قلت لكم، الأمر جد بسيط وفكرته سهلة.
لكنَّ السؤال المهم هو كيف نستخرج شعور السعادة في وضع محزن خاصةً أنَّ عقلنا الباطن سيرسل لعقلنا الواعي ردة فعلنا السابق، والتي كانت استدعاء الحزن والكآبة من القلب.

السر يكمن في أننا يمكننا التحكم في عقلنا الواعي والذي بدوره سيتسبب بتخزين ردة فعل جديدة في العقل الباطن. وبالتالي، كل ما علينا هو أن نحاول بكل الطرق أن نجبر عقلنا الواعي على البحث عن الأشياء الجيدة التي قد تنتج عن هذه المصيبة. فمثلاً: بدل أن أترك عقلي الواعي يفكر في الأزمات المالية القادمة بسبب فقد الوظيفة، نعمل على إجباره في التفكير بعمق في الأشياء الجيدة التي قد تنتج عن الوضع الجديد كأن يجعل أحدهم عقله يفكر في أنَّ هذا الوضع سيجعل لديه وقت كافي لدخول دورات تدريبية مهمة لمجال عمله ترفع من مستواه، لكنَّ الوظيفة كانت تستغرق معظم الوقت ولا تسمح بحدوث هذا.
وبما أنَّ الوظيفة ذهبت، فقد صار من الممكن الآن حضور هذه الدورات التدريبية والبحث عن عمل جديد سيكون أفضل؛ لأنَّ حضور الدورات التدريبية سوف لن يحسن فرص حصولي على عمل بديل فقط، وإنما أيضاً سيجعلني أحصل على عمل في رتبة أعلى وراتب أعلى لأنَّ الدورات ستكون مؤهلات إضافية تسمح لي بالترقي في السلم الوظيفي.

ليس هذا فحسب، فقد أحصل على راحة طويلة ما كنت لأحلم بها مع وظيفتي السابقة محدودة الإجازات. فحصولي على عمل بديل لن يحصل في يوم أو أسبوع، وإنما قد يستغرق الأمر بضعة شهور. وربما تكون هذه فرصتي لبدء مشاريعي الخاصة مثل أن أعمل من البيت عن طريق الانترنت لاستخدام مهاراتي لجني دخل سيكبر مع الوقت بدون حدود وسيكون أفضل من الاستمرار في الوظيفة التي لا يمكن أن يتطور فيها دخلي بلا حدود.

يمكن بالاستغراق في البحث عن الأمور الجيدة الممكنة أن نتفاجأ بكمية الأشياء الإيجابية التي ممكن أن تأتي مع كل مصيبة. لدرجة أننا لو فكرنا بعمق أكبر، فسنشعر في نهاية الأمر بأننا أمام فرصة ولسنا أمام مصيبة ويتغير المزاج الحزين المكتئب إلى مزاج فرح ومتفائل وراضي أيضاً. الأمر ليس صعب كما ذكرت لكم، لكن كل ما نحتاجه هو أنَّ نعيد الأمر مع كل شيء يضايقنا أو يحزننا مهما كان بسيط.
إنَّ تكرار هذا العمل سيجبر العقل الواعي على أن يشعر بشعور جيد وربما سعيد مع حدوث كل أمر مزعج أو مع حلول أي مصيبة. السر يكمن في أنَّ عقلنا الباطن سيخزن الشعور بالاطمئنان في كل مرة حتى نصل لمرحلة تكون فيها ردة فعلنا على المصائب هي الشعور بالسلام والطمأنينة بشكل تلقائي وبدون جهد لأنَّ عقلنا الباطن قد خزن مشاعر الراحة والسلام في حالات المصائب السابقة؛ وبالتالي الشعور بالراحة سيكون هو الشعور السائد في حياتنا بغض النظر عمَّا يحصل لنا سواء جيد أو سيء.

جربوها و لن تندموا! فالفكرة بسيطة لكن نحتاج للمداومة على تدريب العقل الواعي بإجباره في كل مرة على التفكير في النتائج الإيجابية لما يحصل لنا، وعدم تركه يغرق في التفكير في النتائج السلبية.
دمتم في #سعادة وطاب وقتكم بالراحة والسلام.

تابعونا في خطواتنا القادمة بإذن الله

1 comment:

مفهوم علاقة الرسول بمن جاء بعده

مفهوم علاقة الرسول بمن جاء بعده   ها قد عدنا للمقالات بعد توقُّف دام لقرابة الشهرين. فقد أثَّر افتتاح قناة اليوتيوب وإعداد الحلقات...

مقالات سابقة