لنفهم الإسلام أولاً
كما تلاحظون فإننا بدأنا السير بخطى ثابتة نحو هدفنا في الوصول لأن نتحول من شعوب تعيسة بائسة متخلفة إلى شعوب سعيدة متحمسة للتطور ساعية إليه. ولازلنا نسير في أول وأهم خطوة في طريقنا، وهي كيف نغيِّر نظرتنا لأنفسنا لكي نصبح قادرين على تغيير حالنا للأفضل.
تناولنا بالأمس أحد أهم النقاط التي تجعلنا ننظر لأنفسنا بطريقة خاطئة، وهو الأمر الذي أثّر على عقولنا بالسلب فصار خاملاً. تناولنا حقيقة أنَّ في عمق ثقافتنا كمسلمين، فإننا نرى الصورة مقلوبة. ولهذا حالنا مقلوبٌ رأساً على عقب. فنحن شعوب مقتنعة أنَّ أفضل الأجيال هم القرون الأولى من الإسلام أي الذين عاشوا أكثر من 1000 سنة مضت، وأنَّ الأجيال بعدهم ستنحرف وتتخلف جيل بعد جيل بحيث أنَّ جيل اليوم هو أسوء من جيل الأمس وجيل الغد هو أسوء من جيل اليوم إلى يوم القيامة حينما تقوم القيامة على شرار الناس. هذه القناعة التي تشكلت نتيجة الموروث الفقهي والتراثي الإسلامي المُعْتَمِد على المرويات، هي للأسف أكبر من أن تكون مجرد قناعة، فهي عند كثير من المسلمين اليوم قناعة مقدسة لا يُسمح المساس بها. نعم إنها قناعة مقدسة ممنوع الاقتراب منها أو الحديث عنها.
لماذا؟ لأنها مقدسة. ولماذا هي مقدسة؟ لأنَّهم يعتمدون في فهم أي شيء في الحياة على عقول فقهاء التراث الذين عاشوا قبل أكثر من 1000 سنة مضت. تخيلوا أنَّ قناعة أنَّ الأجيال تنحرف وتتخلف مع مرور الزمن هي مفهوم مقدس دون فهم أنه يعني أنه لا جدوى من محاولة التطوير لأنَّ من يحاول تحسين حال الناس وأخلاقهم هو يعمل ضد سنة الحياة ويعاند القدر المحتوم! من يجتهد ويكدُّ ويتعب لتطوير نفسه وتطوير غيره هو أحمق لا يفهم كيف تسير الأمور، وقد ضيَّع وقته وجهده على لا شيء. تخيلوا أنَّ هذه القناعة مقدسة لدى كثير من المسلمين وأنهم حتى لا يعرفون ما يترتب عليها. لا يعرفون أنَّ سر تخلفهم وانحطاطهم وكونهم في ذيل الامم وأنهم عالة على العالم هو هذه القناعة الموروثة "المقدسة". الكارثة في كونها "مقدسة" هي أنهم ينسبون تخلفهم وانحطاط أخلاقهم لرب العالمين وللدين وللقرآن ولرسول الإسلام.
إنَّهم يرددون ما سمعوه وورثوه دون فحص ولا تمحيص ويعتبرونه مسلَّمة لا شك فيها. هل هم بالفعل مقتنعون أنَّ الله والإسلام والقرآن قد قرروا أنَّ الإنسانية تسير في انحدار مستمر وأنَّ مزيد من التخلف والانحطاط هو ما ينتجه الأجيال مع مرور الزمن؟ هل حاولوا مثلاً التفكير في أنَّ ادِّعاء أنَّ الإنسانية تنحط وتتخلف يعني أنَّ من يعمل على التطوير والإصلاح إنما يعمل ضد القدر وضد إرادة الله حسب فهمهم؟
للأسف كثير منهم حتى لو فكر الآن في بشاعة هذه الفكرة وإساءتها لله عز و جل، فسيستمرون في رفض تغيير هذه الفكرة لأنَّهم ببساطة يكرهون التغيير؛ لأنَّه يتطلب الكثير من التفكير والعمل والكدُّ وهُم للراحة عاشقون.
اليوم سنبلور الفكرة بشكل أوضح ونحدد موطن الخلل بشكل مباشر بعد ما أنفقنا وقت كافي في تبيين أننا نحمل سر تخلفنا في نظرتنا لأنفسنا وللأشياء من حولنا. فكرة الإصلاح تبدأ في النبش في عقولنا وطريقة رؤيتنا لكل شيء لكي نغير أي نظرة غير صحيحة لأنفسنا أو لأي شيء من حولنا.
ولأنَّ أكثر ما تفكر به الشعوب الإسلامية وتستعمله في رؤية تفاصيل كل شيء هو فهمنا الحالي للدين، ولأنَّ ثقافتنا وما يصح عمله وما لا يصح هو مصدره فهمنا للدين أيضاً، فكان لابد لنا من فحص وتمحيص فهمنا للدين الإسلامي. نعم هي كما قرأتموها. يجب أن نجدد فهمنا للإسلام. اعرف أنَّ قول كهذا سيفتح علينا باب لا يُسد من النقد والهجوم حتى بدون أن نوضح ماذا نقصد. اذهبوا للتعليقات فربما سترون ما اقصده هناك بشكل أوضح! سيتم ربما حتى إخراجي من الملَّة لمجرد أنني قلت هذه الجملة "يجب أن نجدد فهمنا للإسلام" ولكي تعرفوا أنَّ مَن اعترض إنما تحركه العاطفة، وأنَّه لا يستخدم المنطق للتعامل مع الأفكار والتفكير، فهُم يعترضون حتى قبل أن أوضح ما أقصد أو اشرح جملتي.
الإسلام عندهم قد فَهِمَهُ الأوَّلين وانتهى الأمر، وما علينا إلا اجترار أفكار الأَّولين واستعارة عقول ما قبل مئات السنين لكي نفهم ديننا أو قرآننا أو لكي نتعامل مع أي شيء في حياتنا .... فالأولين هم خير القرون، ونحن أجيال متأخرة منحرفة ستنجب أجيال أكثر انحرافاً لتنتهي الدنيا على شرار الناس.
أرأيتم الرابط بين كل ما قدَّمناه من مسلَّمات واستنتاجات في الأيام والماضية، وبين لب وأصل المشكلة التي نعاني منها كشعوب إسلامية؟ مربط الفرس وأصل المشكلة هو في أننا كشعوب مسلمة لا نقبل تجديد فهم الدين؛ لأنَّ عمل ما تعودنا عليه وما تربينا عليه وما وجدنا عليه آبائنا هو أمر يسير بسيط بالمقارنة ببذل الجهد والوقت والعمل بجد وتفاني لكي نعيد ونجدد فهم ديننا. الأسهل هو أن نقاوم ونخترع لعقولنا الكثير من الأسباب لرفض التغيير ومنع خروجنا من منطقة الراحة التي تعوَّدنا عليها، ولهذا ستجدون من يهاجمنا ومن يشيطننا ومن يحذِّر من مسلكنا وأنه يقود للكفر والهلاك، فالحق هو ما وجدنا عليه آبائنا وما قاله فقهاء عصور ركوب الدواب وبيع الإنسان في الأسواق. الحق عندهم أنَّ الحظ حالفهم فولدوا على الفهم الصحيح وغيرهم سوف يهلك وينحرف لأنَّ حظه العاثر لم يجعله يولد في بلداننا التي توارثت الحق أباً عن جد.
لكن رغم كل ما سنواجهه من محاولات إسكات وشيطنة، إلا أننا نؤمن بأنَّ أصحاب الضجيج العالي الذين يصرخون وينفعلون عادة ما يكونون قلة، أمَّا الغالبية فستنصت بشغف لأنَّ ما نكتبه هنا يلامس أوتار الحقيقة في قلوبهم. الحق دائماً يجعلك هادئ مستقر وراضي وواثق من نفسك، ولهذا لن تجد باحث صادق عن الحق ينفعل ويغضب لمروره على فكرة تخالف الموروث المترسب والمستقر في أعماق عقله. لا ينفعل إلا من لامس كلامنا أركان حبسه وسجن أفكاره التي لا يحب من يخرجه منها. مجرد الحديث عن التغيير والتطوير يثير عندهم مشاعر الخوف ويدق عندهم نواقيس الخطر لأنَّ هناك من يهدد استقرارهم على ما هم عليه وما تربوا عليه. لا يمكن أن تكون مطمئن بأنك على حق، وفي نفس الوقت تنفعل وتهجم على أي شخص يقول بأنك لست على حق. فالباحث عن الحق سيحاول أن يفهم أكثر إن جاءه من ينذره بأنه ليس على حق.
ما نريد أن نصل إليه اليوم هو أنَّ أول خطوة حقيقية في التغيير ستكون بتجديد فهم الإسلام لأنَّه المؤثر الأول في صناعة أفكار ومسلَّمات المسلمين. وبما أنَّ حال الشعوب الإسلامية هو تخلف علمي وانحطاط أخلاقي واضح جعلهم في ذيل العالم متربعين على عرش الشعوب الفاسدة، فلابد وأنَّ هناك خلل في طريقة فهمهم ورؤيتهم للأشياء خاصة في فهمهم لأهم مصدر لأفكارهم وعاداتهم اليومية، ألا وهو الإسلام. لذا من الطبيعي أن تكون بداية التغيير هي في تغيير فهمنا للإسلام، والذي أتصور أنَّ كثيرين يدركون أنَّ اجترار فهم الأولين له كما هو دون تجديد، لا يمكن أن يكون عمل رشيد. العمل الرشيد يكون في اتِّباع سنة الحياة وقوانين الطبيعة الإنسانية، والتي أوَّلها وأهمها هي أنَّ الإنسانية تتطور بمرور الزمن. الإنسان يزداد معرفة ويرتقي أخلاقياً ويرتفع مستوى تفكيره الذهني مع الزمن، ولهذا العمل الرشيد أن نعرف أننا أقدر وأعرف و ذكى من أسلافنا. ولذلك، يجب أن ننظر للقرآن بعيوننا لا بعيونهم. أن نفهم الإسلام بعقولنا دون الحاجة لاستعارة عقولهم.
لقد قام الفقهاء الأوَّلين والأجيال السابقة بدورهم وقدَّموا جهدهم في فهمهم للقرآن وللإسلام عموماً بما يتناسب مع أرضيتهم المعرفية والأخلاقية السائدة في زمنهم، والتي هي أقل بكثير من الأرضية المعرفية الأخلاقية التي يقف عليها جيل اليوم؛ وبالتالي نتاج جهدهم عظيم بالنسبة لهم، ولكنَّه غير كافي ولا مناسب بالنسبة لجيلنا، فنحن تفصلنا عنهم أكثر من 1000 سنة تغير فيها الكثير ومن ضمن ما تغير هي مستوى المعرفة والقدرة على الفهم.
في الأيام القلية القادمة سوف نبدأ في وضع أيدينا على أهم مصادر الخلل التي أدَّت لفهمنا العقيم المجتر للإسلام لكي نبدأ رحلة تجديد فهمه من خلال وضع قواعد للفهم والتجديد تكون منطقية وتنطلق من القرآن مصدر الوحي النقي.
وكما ذكرت وأحب أن أُذكِّر، يجب أن ندرك أنَّ هناك من يغضبه طرحنا لأنَّه يفرض عليه العمل والتفكير والإنسان بطبيعته يحب الراحة والسكون، لكنَّها #السعادة، إنَّها تلك السلعة الغالية التي لن نصلها دون دفع الثمن.. فتابعونا.
No comments:
Post a Comment