لماذا لم يفسر النبي القرآن
اليوم ازداد الأمر وضوحاً للآلاف من متابعينا الكرام، فربما لو مررتم على التعليقات في المقال الذي نشرناه منذ يومين بعنوان "لن نتجمد مثلهم" وحتى المقالين اللذان قبله، فسوف تتفهمون لماذا كنت أقوم بالتكرار الممل في بعض الأحيان، والأهم هو أنَّ غضب بعض أخوتنا من الخوض في الموروث وطريقة انفعالهم وردة فعلهم تدل على عمق المشكلة في عقولهم، فهم لم يبحثوا أو يدققوا أو يتدبَّروا القرآن بعقولهم. كل ما فعلوه هو أنَّهم يرددون ما قيل لهم وما تعودوا على سماعه أباً عن جداً.
نحن أصلاً لم نقدم أي تجديد بَعد، ولم نناقش مسألة دينية بعينها بَعد، ومع هذا هاجمونا كأننا هدمنا الدين ونسعى لتدميره. كل ما في عقولهم هو أنَّه قيل لهم، هذا ما وجدوه في كتب التراث. فهم لم يُعْمِلُوا عقولهم ويغضبون إن أعْمَلَ أحدهم عقله، فهم قد وقعوا في أول وأخطر فخ حَذَّرنا منه وأنفقنا وقتاً طويلاً في مناقشته وبحثه من خلال عدة مقالات. إنها معضلة الخيرية، فأصل المشكلة يكمن في أنَّ هؤلاء يؤمنون بأنَّ الإنسانية تنحدر وتتخلف حتى تقوم الساعة على شرار الناس حسب فهمهم؛ وبالتالي فإنَّ الخيرية والتطور والتحسن يكون بالسير عكس التاريخ وضد عقارب الساعة.
إنَّهم يقولونها بصراحة، يقولون أنَّ الأجيال تنحدر، وأنَّ الساعة تقوم على شرار الناس؛ وبالتالي الحل "في نظرهم" هو بالرجوع للماضي والسير عكس عقارب الزمن. ولمساعدة أخوتنا هؤلاء لكي يروا أنهم يسيرون عكس مراد الله وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، أرجو من الأخوات والأخوة الأكارم أن يعلقوا ويردوا عليهم بما فهموه من كلامنا. نريدهم أن يروا أنَّ الأغلبية لديها عقول ولن ترضى بالانكفاء والتخلف. علقوا وادعموا التجديد لكي يعرفوا أنَّهم يقفون ضد تيار التغيير الذي سيجرفهم لا محالة.
وكما وعدناكم فلن نعطل مسيرنا أكثر من هذا، وسنستمر بعون الله جل في علاه.
اليوم نضع بين أيديكم موضوع تدبُّر القرآن وتفسيره، فكثير من متابعينا الأكارم مقتنعين بأننا يجب أن نجدد فهمنا للدين وتدبُّرنا للقرآن وعلينا ترك اجترار الماضي والابتعاد ما أمكن عن استعارة عقول الأقدمين وترك عقولنا تصدأ.
الأغلبية مقتنعة بأنَّ الخلل في اتباع الموروث بكل التفاصيل، لكنهم لا يعرفون كيف يتم التجديد. والمهم في هذه المرحلة بعد أن اقتنعنا بأنه يجب أن نجدد، المهم هو أن نعرف أنَّ التجديد هو رحلة وعمل شاق وطويل ولن يتم في مقال أو اثنين. التجديد له قواعد ويسير ضمن منهجية، ولذلك، لن نستطيع أن نقفز على المراحل نطرح النتائج دون أن نعرف كيف ولماذا.
لذا فارجوا أن نتسلح جميعاً بالصبر والعزيمة لأنَّ المشوار طويل ويحتاج لوقت. فقط دعونا نقدِّم المنهجية ونقطع المراحل بهدوء لكي لا تستفيق العاطفة بعد أن أخمدناها، فلقد تحكمت فينا قرون.
من خلال المقالات والرحلة التي قطعناها لقرابة شهر، يمكن القول أننا نجحنا في استحضار العقل والمنطق وإبعاد العاطفة عند التفكير، وهذا انجاز عظيم.
اليوم لدينا سؤال مهم جداً وجوهري وأساسي في فهم منهجية التجديد. السؤال هو: "لماذا لم يفسر الرسول عليه السلام القرآن كاملاً؟" ولن يكون السؤال هل فسَّر الرسول القرآن أم لم يفسِّره، لأنه لا يوجد أحد أصلاً يدَّعي لا قديماً ولا حديثاً أنَّ النبي قد فسَّر القرآن. ربما يتفاجأ البعض من هذه الحقيقة. فبالفعل، النبي لم يفسر حتى و لو 50 آية من آيات القرآن الـ 6236 آية.
تخيلوا أنَّ القرآن فيه 6236 آية لم يفسِّر النبي منها حتى و لو 50 آية، أي أنَّ النبي لم يفسر حتى ما نسبته 1% من القرآن.
ولنراها من الجهة الأخرى، فهذا يعني أنَّ أكثر من 99% من القرآن لم يفسره النبي، ولكي لا يخدعكم أحد، فهذه حقيقة ثابتة ولا يوجد من يدَّعي أصلاً أنَّ النبي فسَّر القرآن إلا شخص غير مطلع ولم يقرأ شيء من كتب الأولين أو الآخرين. فمن لديه إطلاع ولو بسيط يعرف أنَّ ما قلته بأنَّ النبي لم يفسِّر أكثر من 99% من القرآن هو حقيقة لا جدال فيها.
وبما أنَّ النبي لم يفسر أكثر من 99% من القرآن، فمن المنطقي والصحيح أن نقول أنَّ هذه كانت منهجيته عليه السلام. فلو كان منهجيته هو أن يقوم بتفسير القرآن أو أنَّه كان مطلوب منه أن يفسِّر القرآن، لكان وصلتنا آلاف الآيات مفسَّرة من النبي. وهذا لم يحصل على الإطلاق؛ وبالتالي يمكن القول بكل قوة أنَّ النبي لم يفسِّر القرآن الكريم، ولا أعتقد أنَّ تفسيره لآية هنا وأخرى هناك يدل على غير هذا. ولهذا من الآن فصاعداً سنقول أنَّ النبي لم يفسر القرآن لأنَّ هذا بالفعل ما حصل، وأي مدَّعي لغير هذا فنتحداه أن يأتي بـ 50 آية فسَّرها النبي، لن يجدوا. هذا تحدي مفتوح ومعلوم النتائج مسبقاً. فلا يوجد في كل شتات كتب التراث والِفقه والتفاسير أي مادة مروية يمكن أن نجمع من خلالها تفسير مباشر ل 50 آية من القرآن الكريم.
هناك رواية هنا وأخرى هناك لما يمكن أن يُدعى أنه تفسير لآية بشكل مباشر، لكن لا يوجد تفسير مباشر حتى و لو لـ 50 آية من ال 6236 آية من آيات القرآن.
ألم تلاحظوا أنَّ هناك تفسير اسمه تفسير ابن كثير وآخر اسمه تفسير الطبري وغيره اسمه تفسير القرطبي والرازي والزمخشري السيوطي البغوي الرازي ألخ ألخ ألخ
تفاسير كثيرة ليس من بينها تفسير اسمه "تفسير محمد بن عبد الله" عليه السلام. لأنه لو كان هناك تفسير لمحمد بن عبد الله عليه السلام، لما احتاج ابن كثير والقرطبي والزمخشري والرازي وغيرهم لتفسير القرآن. ماذا سيقولون بعد قول رسول الله؟ تعدُّد التفاسير منذ قرون فقهاء التراث هو وحده دليل كافي على أنَّ النبي لم يفسر القرآن بشكل ممنهج، لأنه لو فعل، لكان وصل إلينا حتى ولو تفسير 100 آية من آيات القرآن الـ 6236؛ وبالتالي لن أطيل في إثبات أنَّ عدم تفسير النبي للقرآن ما هو إلا حقيقة ثابتة وسأنتقل لمناقشة ما يترتب على هذه الحقيقة.
الرسول هو مبلّغ لرسالة القرآن ولو كان مطلوباً منه تفسيره وتدبُّره، لقدَّم لنا فقهاء التراث أدلة كافية على أنهم كانوا جيل واعي مدرك لواجبه وقدَّموا في زمانهم تفاسير وتدبُّر صاغوه في كتب ومجلدات. وكان يجب أن يستمر كل جيل بعمل نفس الشيء وتحمُّل نفس المسئولية. لكن للأسف ولعدَّة قرون، فقد توقفت الأجيال عن القيام بدورها وتكاسلت عن العمل والمثابرة وركنوا للدعة والراحة فأراحوا عقولهم وباتوا يستعيرون عقول مَن قبلهم، وجيل بعد جيل إلى جيلنا اليوم، أصبح اجترار عقول السابقين هو الحل السحري لكي نبقى على ما نحن عليه وترتاح عقولنا من البحث والتدبُّر. ما علينا إلَّا أن نُخْرِجَ فقهاء السلف من بشريتهم ونعملقهم وننفخ في صورهم حتى يكادوا أن يعبدوا لكي نبرر توقف الفِهم والعمل والمثابرة عند جيلهم.
لقد حوَّلناهم لأصنام تُعبَد من دون الله لكي لا نغير شيء من نمط حياتنا ونعيش ما عاش عليه آبائنا ونجتر ما كانوا يجترون. إنه الكسل يا سادة، حتى من لديه همَّة، ما عليه إلا أن يحفظ ويحفظ ويحفظ. أمَّا الفهم والتدبُّر والاستنباط، فقد أُغلِق السبيل إليه وانتهى عصره وأوصدت أبوابه ودفنت مفاتيحه مع فقهاء التراث الأولين حسب زعمهم.
الخلاصة هي أننا اكتشفنا حقيقة ربما غابت عن البعض وهي أنَّ النبي كانت منهجيته ألَّا يفسر القرآن وترك تفسيره لمن يأتي بعده كل جيل حسب زمانه يفسِّر، وجاءت الأجيال الأولى وفهمت الأمر وقامت بدورها وفسَّرت وتدبَّرت. لكن بعدها بقرون تكلست العقول وخفت الهمم وضاق الأفق وركنت الأجيال التالية للدعة الراحة فصاروا يجترون مجهودات وعقول من سبقهم.
وجيل بعد جيل توارث الكسل وتعاقب على التخلف عن واجبه حتى صارت ثقافة متبعة. وسارت الأمور على هذا النحو حتى وصلنا لجيلنا، وبانت منذ قرون فضيحة تقاعسنا فصرنا للجهل والتخلف والفساد رواداً لا يسبقنا أحد للقاع.
وبما أنَّنا اليوم فهمنا هذه الحقيقة الساطعة والمهمة، والتي هي أنَّ تدبُّر القرآن وفِهم الدين يتجدد مع الزمن، فإننا سنبدأ من الغد إن شاء الله في وضع منهجية لتجديد فهم وتدُّبر قرآننا حتى نصل إلى #السعادة. فما أنزل الله القرآن إلا لكي نسعد، وما قدَّر الله الأقدار إلا لكي نصعد. فهلموا نستكمل المسير نحو الريادة بطلب #السعادة وما نستحق كباقي الأمم.. فتابعونا.
بارك الله سعيك ورزقك الثبات والإخلاص في عملك
ReplyDelete